وقد انتقل سبحانه من الإنسان إلى الكون وفيه آيات الوحدانية، وبرهان الألوهية، فقال عز من قائل:
nindex.php?page=treesubj&link=18470_29545_31755_32200_32203_32412_32415_32438_32440_33679_34513_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا .
ابتدأ سبحانه من الكون بما يمس الإنسان من أوقات فذكر الليل والنهار، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا الليل والنهار آيتين أي هما في ذاتهما آيتان، إذ يقبلان بأمر الله ويذهبان، وإذا كانا يرمزان إلى دوران الشمس حول الأرض، وأن القمر يستمد نوره من انعكاس ضوء الشمس على الأرض، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل فإن هذا أبين في أن الليل والنهار آيتان؛ لأنهما مظهران للفلك السماوي، وهو يسير بقدرة الله تعالى وإرادته، وكل شيء عنده بمقدار، ثم هما يقصران ويطولان، فإذا قصر أحدهما طال الآخر، فإذا طال الليل في الشتاء قصر النهار، والعكس بالعكس.
هذا على أن الليل والنهار ذاتهما آيتان وترمزان إلى آية كونية هي دوران الأرض حول الشمس، وانعكاس ضوء الشمس على الأرض فتجعله منيرا من غير ضياء كالشمس.
وقد يراد بآيتي الليل ما يظهر بالحس في كل منهما، فالشمس تكون بالنهار، وهي آية، والقمر يكون بالليل، وهو آية، والقمر قدره الله تعالى منازل.
ومعنى محو آية الليل ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فمحونا آية الليل أي جعلنا الليل ممحو الضوء مطموسه مظلما لا يستبين فيه شيء، كما لا يستبان ما في اللوح الممحو.
[ ص: 4346 ] وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فمحونا آية الليل في الكلام مجاز على تخريج
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري مؤداه أنه شبه الليل الممحو نوره بالكتاب المطموس كتابته لعدم الوضوح والاستبانة فيهما.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا آية النهار مبصرة أي يبصر الناس فيها، فيكون في الكلام مجاز أيضا فأسند الإبصار إلى الآية باعتبارها منها الإبصار، وذلك مجاز في الاشتقاقات، فأطلق اسم السبب على المسبب، وهو ما يكون فيه من استبانة.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12لتبتغوا فضلا من ربكم أي لتطلبوا فيه أسباب رزقكم، ولتقيموا الصناعات، وتسيروا في الأرض وتفلحوا الأرض فتمتلئ بالنبات، والغرس، وتكون منافع هذه الدنيا إذ تتولون أسبابا وفضلا من الله، ولتعلموا عدد السنين والحساب، وذلك بتجدد الأيام، فيعرف اليوم، ويعرف الشهر، ويعلم عدد السنين وما يجري في حساب الناس.
فبتجدد الليل والنهار يكون السكون وتكون الحركة، وطلب المعاش، والسعي في الأرض، وذلك كله يدل على الفاعل المختار ووحدانيته، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=61تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=62وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=5خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار
بعد أن بين الله طبيعة الإنسان، وأشار إلى ما يحيط به أخذ يشير سبحانه إلى الحساب.
[ ص: 4347 ] الحساب يوم القيامة
قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
لم يخلق الله تعالى الإنسان سدى، ولم يخرج الحياة لتكون عبثا من غير حساب، بل إن الله تعالى خلق الإنسان مسؤولا عما يعمل، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ومن فاته حظ الحياة الدنيا مظلوما، فينال في الآخرة حظا موفورا، ومن اكتسب الإثم وأحاطت به خطيئته، فإن له جهنم، إن صلاح الإنسان لا يكون إلا بالثواب والعقاب في الآخرة، كذلك قدر الله تعالى ولذا كان الحساب،
وَقَدِ انْتَقَلَ سُبْحَانَهُ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَى الْكَوْنِ وَفِيهِ آيَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَبُرْهَانُ الْأُلُوهِيَّةِ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
nindex.php?page=treesubj&link=18470_29545_31755_32200_32203_32412_32415_32438_32440_33679_34513_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا .
ابْتَدَأَ سُبْحَانَهُ مِنَ الْكَوْنِ بِمَا يَمَسُّ الْإِنْسَانَ مِنْ أَوْقَاتٍ فَذَكَرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ أَيْ هُمَا فِي ذَاتِهِمَا آيَتَانِ، إِذْ يُقْبِلَانِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَيَذْهَبَانِ، وَإِذَا كَانَا يَرْمُزَانِ إِلَى دَوَرَانِ الشَّمْسِ حَوْلَ الْأَرْضِ، وَأَنَّ الْقَمَرَ يَسْتَمِدُّ نُورَهُ مِنَ انْعِكَاسِ ضَوْءِ الشَّمْسِ عَلَى الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ فَإِنَّ هَذَا أَبْيَنُ فِي أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مَظْهَرَانِ لِلْفَلَكِ السَّمَاوِيِّ، وَهُوَ يَسِيرُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ، ثُمَّ هَمَّا يَقْصُرَانِ وَيَطُولَانِ، فَإِذَا قَصُرَ أَحَدُهُمَا طَالَ الْآخَرُ، فَإِذَا طَالَ اللَّيْلُ فِي الشِّتَاءِ قَصُرَ النَّهَارُ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ.
هَذَا عَلَى أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ذَاتَهُمَا آيَتَانِ وَتَرْمُزَانِ إِلَى آيَةٍ كَوْنِيَّةٍ هِيَ دَوَرَانُ الْأَرْضِ حَوْلَ الشَّمْسِ، وَانْعِكَاسُ ضَوْءِ الشَّمْسِ عَلَى الْأَرْضِ فَتَجْعَلُهُ مُنِيرًا مِنْ غَيْرِ ضِيَاءٍ كَالشَّمْسِ.
وَقَدْ يُرَادُ بِآيَتَيِ اللَّيْلِ مَا يَظْهَرُ بِالْحِسِّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَالشَّمْسُ تَكُونُ بِالنَّهَارِ، وَهِيَ آيَةٌ، وَالْقَمَرُ يَكُونُ بِاللَّيْلِ، وَهُوَ آيَةٌ، وَالْقَمَرُ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنَازِلَ.
وَمَعْنَى مَحْوِ آيَةِ اللَّيْلِ مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ: nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ أَيْ جَعَلْنَا اللَّيْلَ مَمْحُوَّ الضَّوْءِ مَطْمُوسَهُ مُظْلِمًا لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ شَيْءٌ، كَمَا لَا يُسْتَبَانُ مَا فِي اللَّوْحِ الْمَمْحُوِّ.
[ ص: 4346 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ فِي الْكَلَامِ مَجَازٌ عَلَى تَخْرِيجِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ مُؤَدَّاهُ أَنَّهُ شَبَّهَ اللَّيْلَ الْمَمْحُوَّ نُورُهُ بِالْكِتَابِ الْمَطْمُوسِ كِتَابَتُهُ لِعَدَمِ الْوُضُوحِ وَالِاسْتِبَانَةِ فِيهِمَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً أَيْ يُبْصِرُ النَّاسُ فِيهَا، فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ مَجَازٌ أَيْضًا فَأَسْنَدَ الْإِبْصَارَ إِلَى الْآيَةِ بِاعْتِبَارِهَا مِنْهَا الْإِبْصَارُ، وَذَلِكَ مَجَازٌ فِي الِاشْتِقَاقَاتِ، فَأَطْلَقَ اسْمَ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ اسْتِبَانَةٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ لِتَطْلُبُوا فِيهِ أَسْبَابَ رِزْقِكُمْ، وَلِتُقِيمُوا الصِّنَاعَاتِ، وَتَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ وَتَفْلَحُوا الْأَرْضَ فَتَمْتَلِئَ بِالنَّبَاتِ، وَالْغَرْسِ، وَتَكُونَ مَنَافِعُ هَذِهِ الدُّنْيَا إِذْ تَتَوَلَّوْنَ أَسْبَابًا وَفَضْلًا مِنَ اللَّهِ، وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ، وَذَلِكَ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ، فَيَعْرِفُ الْيَوْمَ، وَيَعْرِفُ الشَّهْرَ، وَيَعْلَمُ عَدَدَ السِّنِينَ وَمَا يَجْرِي فِي حِسَابِ النَّاسِ.
فَبِتَجَدُّدِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَكُونُ السُّكُونُ وَتَكُونُ الْحَرَكَةُ، وَطَلَبُ الْمَعَاشِ، وَالسَّعْيُ فِي الْأَرْضِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=61تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=62وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=5خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ
بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللَّهُ طَبِيعَةَ الْإِنْسَانِ، وَأَشَارَ إِلَى مَا يُحِيطُ بِهِ أَخَذَ يُشِيرُ سُبْحَانَهُ إِلَى الْحِسَابِ.
[ ص: 4347 ] الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا
لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ سُدًى، وَلَمْ يُخْرِجِ الْحَيَاةَ لِتَكُونَ عَبَثًا مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ، بَلْ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ مَسْؤُولًا عَمَّا يَعْمَلُ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَمَنْ فَاتَهُ حَظُّ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَظْلُومًا، فَيَنَالُ فِي الْآخِرَةِ حَظًّا مَوْفُورًا، وَمَنِ اكْتَسَبَ الْإِثْمَ وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ، إِنَّ صَلَاحَ الْإِنْسَانِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ، كَذَلِكَ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِذَا كَانَ الْحِسَابُ،