وصايا الله وأوامره
قال الله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=28662_30539_30558_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=25ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=27إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=28وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=30إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا [ ص: 4360 ] إنه بلا شك كانت أكثر الأحكام
بالمدينة حيث اقتضت العدالة وتنظيم الجماعة، وإقامة بنائها على أحكام الله تعالى، وعلى الفضيلة، والخلق العظيم، وكان
بمكة أحكام قليلة كلها تمليها خصال المروءة والفضيلة، وإن لم تكن تنظيما لأحكام مفصلة تقوم عليها
المدينة الفاضلة إلا أنها بمقتضى الفطرة الإنسانية في مبادئها الأولى، وأولها إفراد الله تعالى بالعبودية، وقد ابتدأها بها لأنه كانت البعثة ابتداء لأجلها، ثم ثنى بالإحسان إلى الوالدين، وإيتاء ذي القربى، وإقامة الأسرة بالبر والمودة وصلة الرحم؛ لأن الأسرة أصل بناء المجتمع، والأسرة في الإسلام هي الممتدة لا المقصورة على الزوجين والأولاد كما هو الشأن عند من لا يعرفون الرحمة والبر بهما، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وقد ابتدأ سبحانه بالوحدانية فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم -، ونبي الوحدانية كيف يخاطب بهذا، وهو بعث له ابتداء، والوحدانية أولى دعوته، ولها أوذي، ولها حورب، ولها جاهد، والجواب عن ذلك أنه خطاب له أولا ولمن بعث فيهم ثانيا، وذكر هو في القول ليكون مع من يدعوهم على سواء، وأنه مطالب بما تطالبون به، وأنه ما جاء ليكون مسيطرا، فذاته مصونة، لا بل هو مطبق عليه ما يطبق على كل مؤمن، وينذر كما ينذر، ويخاف ويخوف، وهو مستقيم على الطريقة، وفي هذه التسوية التي يطويها الكلام دعوة إلى التوحيد بأقصى البلاغة وتحريض عليها، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22فتقعد مذموما مخذولا أي فتقعد عن السمو إلى المكارم مذموما، لأنك لم تسم إلى علو الوحدانية، ويخذلك الله تعالى يوم لا تجد نصيرا سواه.
قد أمر الله تعالى بعبادته سبحانه وحده، وهو مقتضى ألا يجعل مع الله إلها آخر، فإذا كان النهي سلبيا في الآية السابقة فالأمر هنا إيجابي،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى هنا بمعنى حكم، وحكم الله تعالى لا يحتاج إلى إبرام مبرم، ولا يتطاول إليه نقض ناقض سبحانه وتعالى.
وَصَايَا اللَّهِ وَأَوَامِرُهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=28662_30539_30558_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=25رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=27إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=28وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=30إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [ ص: 4360 ] إِنَّهُ بِلَا شَكٍّ كَانَتْ أَكْثَرُ الْأَحْكَامِ
بِالْمَدِينَةِ حَيْثُ اقْتَضَتِ الْعَدَالَةَ وَتَنْظِيمَ الْجَمَاعَةِ، وَإِقَامَةَ بِنَائِهَا عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْفَضِيلَةِ، وَالْخُلُقِ الْعَظِيمِ، وَكَانَ
بِمَكَّةَ أَحْكَامٌ قَلِيلَةٌ كُلُّهَا تُمْلِيهَا خِصَالُ الْمُرُوءَةِ وَالْفَضِيلَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَنْظِيمًا لِأَحْكَامٍ مُفَصَّلَةٍ تَقُومُ عَلَيْهَا
الْمَدِينَةُ الْفَاضِلَةُ إِلَّا أَنَّهَا بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي مَبَادِئِهَا الْأُولَى، وَأَوَّلُهَا إِفْرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعُبُودِيَّةِ، وَقَدِ ابْتَدَأَهَا بِهَا لِأَنَّهُ كَانَتِ الْبِعْثَةُ ابْتِدَاءً لِأَجْلِهَا، ثُمَّ ثَنَّى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَإِقَامَةِ الْأُسْرَةِ بِالْبِرِّ وَالْمَوَدَّةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الْأُسْرَةَ أَصْلُ بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ، وَالْأُسْرَةُ فِي الْإِسْلَامِ هِيَ الْمُمْتَدَّةُ لَا الْمَقْصُورَةُ عَلَى الزَّوْجَيْنِ وَالْأَوْلَادِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُونَ الرَّحْمَةَ وَالْبِرَّ بِهِمَا، وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصِلَ، وَقَدِ ابْتَدَأَ سُبْحَانَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا
الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنَبِيُّ الْوَحْدَانِيَّةِ كَيْفَ يُخَاطِبُ بِهَذَا، وَهُوَ بُعِثَ لَهُ ابْتِدَاءً، وَالْوَحْدَانِيَّةُ أَوْلَى دَعْوَتِهِ، وَلَهَا أُوذِيَ، وَلَهَا حُورِبَ، وَلَهَا جَاهَدَ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ خِطَابٌ لَهُ أَوَّلًا وَلِمَنْ بُعِثَ فِيهِمْ ثَانِيًا، وَذُكِرَ هُوَ فِي الْقَوْلِ لِيَكُونَ مَعَ مَنْ يَدْعُوهُمْ عَلَى سَوَاءٍ، وَأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِمَا تُطَالَبُونَ بِهِ، وَأَنَّهُ مَا جَاءَ لِيَكُونَ مُسَيْطِرًا، فَذَاتُهُ مَصُونَةٌ، لَا بَلْ هُوَ مُطَبَّقٌ عَلَيْهِ مَا يُطَبَّقُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَيُنْذَرُ كَمَا يُنْذَرُ، وَيَخَافُ وَيُخَوَّفُ، وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى الطَّرِيقَةِ، وَفِي هَذِهِ التَّسْوِيَةِ الَّتِي يَطْوِيهَا الْكَلَامُ دَعْوَةٌ إِلَى التَّوْحِيدِ بِأَقْصَى الْبَلَاغَةِ وَتَحْرِيضٌ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا أَيْ فَتَقْعُدُ عَنِ السُّمُوِّ إِلَى الْمَكَارِمِ مَذْمُومًا، لِأَنَّكَ لَمْ تَسْمُ إِلَى عُلُوِّ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَيَخْذُلُكَ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ لَا تَجِدُ نَصِيرًا سِوَاهُ.
قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِبَادَتِهِ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى أَلَّا يَجْعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، فَإِذَا كَانَ النَّهْيُ سَلْبِيًّا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَالْأَمْرُ هُنَا إِيجَابِيٌّ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى هُنَا بِمَعْنَى حَكَمَ، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِبْرَامِ مُبْرِمٍ، وَلَا يَتَطَاوَلُ إِلَيْهِ نَقْضُ نَاقِضٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.