الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن من مثل بعبده عتق عليه [ ص: 100 ] عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو : { أن زنباعا أبا روح وجد غلاما له مع جارية له ، فجدع أنفه وجبه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من فعل هذا بك ؟ قال : زنباع ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما حملك على هذا ؟ فقال : كان من أمره كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب فأنت حر ، فقال : يا رسول الله فمولى من أنا ؟ فقال : مولى الله ورسوله ، فأوصى به المسلمين ; فلما قبض جاء إلى أبي بكر فقال : وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : نعم ، تجري عليك النفقة وعلى عيالك ، فأجراها عليه حتى قبض فلما استخلف عمر جاءه فقال : وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم ، أين تريد ؟ قال : مصر ، قال : فكتب عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه أرضا يأكلها } رواه أحمد في رواية أبي حمزة الصيرفي : حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم صارخا ، فقال له : مالك قال : سيدي رآني أقبل جارية له فجب مذاكيري ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : علي بالرجل ، فطلب فلم يقدر عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب فأنت حر } رواه أبو داود وابن ماجه ، وزاد قال : { على من نصرتي يا رسول الله ؟ قال : تقول أرأيت إن استرقني مولاي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على كل مؤمن أو مسلم } وروي أن رجلا أقعد أمة له في مقلى حار فأحرق عجزها ، فأعتقها عمر وأوجعه ضربا . حكاه أحمد في رواية ابن منصور ، قال : وكذلك أقول )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود وقال المنذري : في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديثه ، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ثقة ولكنه مدلس وبقية رجال أحمد ثقات ، وأخرجه أيضا الطبراني وأثر عمر أخرجه مالك في الموطأ بلفظ : " إن وليدة أتت عمر وقد ضربها سيدها بنار فأصابها بها فأعتقها عليه " وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك وفي الباب عن ابن عمر عند مسلم وأبي داود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه } وعن سويد بن مقرن عند مسلم وأبي داود والترمذي قال : { كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة فلطمها أحدنا ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أعتقوها } وفي رواية : { أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنه لا خادم لبني مقرن غيرها ، قال : فليستخدموها [ ص: 101 ] فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها } وعن سمرة بن جندب وأبي هريرة ذكرهما ابن الأثير في الجامع وبيض لهما وكلاهما بلفظ : { من مثل بعبده عتق عليه } وعن أبي مسعود البدري عند مسلم وغيره وفيه : { كنت أضرب غلاما بالسوط ، فسمعت صوتا من خلفي إلى أن قال : فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام وفيه : قلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله ، فقال : لو لم تفعل للفحتك النار ، أو لمستك النار }

                                                                                                                                            والأحاديث تدل على أن المثلة من أسباب العتق وقد اختلف : هل يقع العتق بمجردها أم لا ؟ فحكي في البحر عن علي والهادي والمؤيد بالله والفريقين أنه لا يعتق بمجردها ، بل يؤمر السيد بالعتق فإن تمرد فالحاكم

                                                                                                                                            وقال مالك والليث وداود والأوزاعي : بل يعتق بمجردها .

                                                                                                                                            وحكي في البحر أيضا عن الأكثر أن من مثل بعبد غيره لم يعتق وعن الأوزاعي أنه يعتق ويضمن القيمة للمالك قال النووي في شرح مسلم عند الكلام على حديث سويد بن مقرن المتقدم أنه أجمع العلماء أن ذلك العتق ليس واجبا ، وإنما هو مندوب رجاء الكفارة وإزالة إثم اللطم وذكر من أدلتهم على عدم الوجوب إذنه صلى الله عليه وسلم لهم بأن يستخدموها ورد بأن إذنه صلى الله عليه وسلم لهم باستخدامها لا يدل على عدم الوجوب ، بل الأمر قد أفاد الوجوب والإذن بالاستخدام دل على كونه وجوبا متراخيا إلى وقت الاستغناء عنها ، ولذا أمرهم عند الاستغناء بالتخلية لها

                                                                                                                                            ونقل النووي أيضا عن القاضي عياض أنه أجمع العلماء على أنه لا يجب إعتاق بشيء مما يفعله المولى من مثل هذا الأمر الخفيف ، يعني اللطم المذكور في حديث سويد بن مقرن قال : واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع من ضرب مبرح لغير موجب أو تحريق بنار أو قطع عضو أو إفساده أو نحو ذلك ; فذهب مالك والأوزاعي والليث إلى عتق العبد بذلك ويكون ولاؤه له ويعاقبه السلطان على فعله ، وقال سائر العلماء : لا يعتق عليه ا هـ .

                                                                                                                                            وبهذا يتبين أن الإجماع الذي أطلقه النووي مقيد بمثل ما ذكره القاضي عياض واعلم أن ظاهر حديث ابن عمر الذي ذكرناه يقتضي أن اللطم والضرب يقتضيان العتق من غير فرق بين القليل والكثير والمشروع وغيره ، ولم يقل بذلك أحد من العلماء وقد دلت الأدلة على أنه يجوز للسيد أن يضرب عبده للتأديب ، ولكن لا يجاوز به عشرة أسواط ومن ذلك حديث : { إذا ضرب أحدكم خادمه فليجتنب الوجه } فأفاد أنه يباح ضربه في غيره ومن ذلك الإذن لسيد الأمة بحدها ، فلا بد من تقييد مطلق الضرب الوارد في حديث ابن عمر هذا بما ورد من الضرب المأذون به ، فيكون الموجب للعتق هو ما عداه




                                                                                                                                            الخدمات العلمية