طلب الحق هو السبيل إلى الخير
قال الله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=30355_32213_34091_34158_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا
هذا بيان للطريق السوي الذي يسلكه المؤمن للوصول إلى الحق، وهو ألا يتبع الأوهام، فما ضل الناس إلا باتباع الأوهام، ووراء الأوهام دأب العقول غير المدركة تكون الأهواء والشهوات وضلال الأفهام، ووراء ضلال الأفهام عبادة الأوثان، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا [ ص: 4382 ] القفو معناه التتبع، وأصله ما يؤدي إلى الكذب أو القذف أو البهتان، ومنه القائف وهو المتتبع للآثار، وأصله القياس وهو العلم بالحدس والتخمين وإلا كان كما يعبر
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الظن الذي لا يبنى على أساس علمي، وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28وإن الظن لا يغني من الحق شيئا
والآية تنهى عن أن يتبع ما ليس عنده أسباب للعلم به، أو ما ينافيه العلم الصحيح والوقائع البينة كشهادة الزور، وقذف المحصنات وتتبع عورات المؤمنين ليعلنها، وقد سترها الله تعالى عليهم، ولقد قال صلى الله عليه وسلم -:
" من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله تعالى في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج " .
ويقول
ابن كثير بعد أن روى أقوال الصحابة في قفو ما ليس له به علم، ومضمون ما ذكره: أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم بل بالظن الذي هو التوهم والخبال، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن وإن تتبع الأمور من آخذ العلم من غير مظانه يحل عرى العقل، حتى يتوهم ما ليس بحق، ويفتري ما لم ير، ولم يسمع، ولقد قال صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=686298 " إن أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا "، وإن نتيجة قفو الإنسان والحكم بغير علم يؤدي إلى ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من أن يري عينيه ما لم تريا بعين خياله، وإن ذلك هو الخبال، وقد سمعنا في
مصر منذ بضع سنين شائعة بين الناس أشاعها النصارى أنهم رأوا صورة العذراء، وادعوا أنهم رأوها، وما رأوها.
وإن اتباع الأوهام يجيء دائما من أن يقفو الرجل ما لم يكن عنده أسباب العلم به، فيتخيل ثم يخال، وذلك هو الخبال، وكذلك تنشأ العقائد الباطلة من عبادة الأوثان، والتثليث، وغير ذلك من العقائد الباطلة التي تنشأ من الأوهام وأن يري العين ما لم تر، فذلك هو الضلال المبين.
[ ص: 4383 ] وقد بين الله طريق العلم الهادي المرشد، وهي هبات الله تعالى التي وهبها للإنسان فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا هذه طرائق؛ فالسمع ينقل العلم الغيبي وينقل العلم الحسي، والفؤاد وهو هنا العقل يربط بين ما سمع وأبصر من آيات، ويكون حكمه القطعي الرشيد.
وإنها مسؤولة فيسأل السمع لماذا لم يسمع الحق وينصت إليه، ويسأل البصر لماذا لم ير الآيات وينظرها نظرة إدراك وتعرف، والعقل لماذا لم يفكر فيما تنقله إليه الحواس، ولماذا لم يأخذ بأسباب العلم، ويتبع الأوهام فيكون الخبال ووراءه الضلال.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36كل أولئك الإشارة إلى السمع والبصر والفؤاد، وكل واحد منها كان مسؤولا بمفرده، ومسؤولا في جماعته و (أولئك) يشار بها إلى الجمع مذكرا كان أو مؤنثا، أو كان خليطا. والله تعالى أعلم.
طَلَبُ الْحَقِّ هُوَ السَّبِيلُ إِلَى الْخَيْرِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=30355_32213_34091_34158_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا
هَذَا بَيَانٌ لِلطَّرِيقِ السَّوِيِّ الَّذِي يَسْلُكُهُ الْمُؤْمِنُ لِلْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ، وَهُوَ أَلَّا يَتَّبِعَ الْأَوْهَامَ، فَمَا ضَلَّ النَّاسُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ الْأَوْهَامِ، وَوَرَاءَ الْأَوْهَامِ دَأْبَ الْعُقُولِ غَيْرِ الْمُدْرِكَةِ تَكُونُ الْأَهْوَاءُ وَالشَّهَوَاتُ وَضَلَالُ الْأَفْهَامِ، وَوَرَاءَ ضَلَالِ الْأَفْهَامِ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا [ ص: 4382 ] الْقَفْوُ مَعْنَاهُ التَّتَبُّعُ، وَأَصْلُهُ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْكَذِبِ أَوِ الْقَذْفِ أَوِ الْبُهْتَانِ، وَمِنْهُ الْقَائِفُ وَهُوَ الْمُتَتَبِّعُ لِلْآثَارِ، وَأَصْلُهُ الْقِيَاسُ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ وَإِلَّا كَانَ كَمَا يُعَبِّرُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ الظَّنَّ الَّذِي لَا يُبْنَى عَلَى أَسَاسٍ عِلْمِيٍّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا
وَالْآيَةُ تَنْهَى عَنْ أَنْ يَتْبَعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ أَسْبَابٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، أَوْ مَا يُنَافِيهِ الْعِلْمُ الصَّحِيحُ وَالْوَقَائِعُ الْبَيِّنَةُ كَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُعْلِنَهَا، وَقَدْ سَتَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَلَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
" مِنْ قَفَا مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَبَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَخْرِجِ " .
وَيَقُولُ
ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ أَنْ رَوَى أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ فِي قَفْوٍ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَمَضْمُونُ مَا ذَكَرَهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنِ الْقَوْلِ بِلَا عِلْمٍ بَلْ بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ التَّوَهُّمُ وَالْخَبَالُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ وَإِنَّ تَتَبُّعَ الْأُمُورِ مِنْ آخِذِ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ مَظَانِّهِ يَحُلُّ عُرَى الْعَقْلِ، حَتَّى يَتَوَهَّمَ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَيَفْتَرِيَ مَا لَمْ يَرَ، وَلَمْ يَسْمَعْ، وَلَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=686298 " إِنَّ أَفَرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَيَا "، وَإِنَّ نَتِيجَةَ قَفْوِ الْإِنْسَانِ وَالْحَكَمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يُؤَدِّي إِلَى مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَيَا بِعَيْنِ خَيَالِهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْخَبَالُ، وَقَدْ سَمِعْنَا فِي
مِصْرَ مُنْذُ بِضْعِ سِنِينَ شَائِعَةً بَيْنَ النَّاسِ أَشَاعَهَا النَّصَارَى أَنَّهُمْ رَأَوْا صُورَةَ الْعَذْرَاءِ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ رَأَوْهَا، وَمَا رَأَوْهَا.
وَإِنَّ اتِّبَاعَ الْأَوْهَامِ يَجِيءُ دَائِمًا مِنْ أَنْ يَقْفُوَ الرَّجُلُ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَسْبَابٌ الْعِلْمِ بِهِ، فَيَتَخَيَّلُ ثُمَّ يَخَالُ، وَذَلِكَ هُوَ الْخَبَالُ، وَكَذَلِكَ تَنْشَأُ الْعَقَائِدُ الْبَاطِلَةُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَالتَّثْلِيثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَنْشَأُ مِنَ الْأَوْهَامِ وَأَنْ يُرِيَ الْعَيْنَ مَا لَمْ تَرَ، فَذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ.
[ ص: 4383 ] وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ طَرِيقَ الْعِلْمِ الْهَادِيَ الْمُرْشِدَ، وَهِيَ هِبَاتُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي وَهَبَهَا لِلْإِنْسَانِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا هَذِهِ طَرَائِقُ؛ فَالسَّمْعُ يَنْقُلُ الْعِلْمَ الْغَيْبِيَّ وَيَنْقُلُ الْعِلْمَ الْحِسِّيَّ، وَالْفُؤَادُ وَهُوَ هُنَا الْعَقْلُ يَرْبِطُ بَيْنَ مَا سَمِعَ وَأَبْصَرَ مِنْ آيَاتٍ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ الْقَطْعِيُّ الرَّشِيدُ.
وَإِنَّهَا مَسْؤُولَةٌ فَيُسْأَلُ السَّمْعُ لِمَاذَا لَمْ يَسْمَعِ الْحَقَّ وَيُنْصِتْ إِلَيْهِ، وَيُسْأَلُ الْبَصَرُ لِمَاذَا لَمْ يَرَ الْآيَاتِ وَيَنْظُرْهَا نَظْرَةَ إِدْرَاكٍ وَتَعَرُّفٍ، وَالْعَقْلُ لِمَاذَا لَمْ يُفَكِّرْ فِيمَا تَنْقُلُهُ إِلَيْهِ الْحَوَاسُّ، وَلِمَاذَا لَمْ يَأْخُذْ بِأَسْبَابِ الْعِلْمِ، وَيَتَّبِعُ الْأَوْهَامَ فَيَكُونُ الْخَبَالُ وَوَرَاءَهُ الضَّلَالُ.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36كُلُّ أُولَئِكَ الْإِشَارَةُ إِلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَانَ مَسْؤُولًا بِمُفْرَدِهِ، وَمَسْؤُولًا فِي جَمَاعَتِهِ وَ (أُولَئِكَ) يُشَارُ بِهَا إِلَى الْجَمْعِ مُذَكَّرًا كَانَ أَوْ مُؤَنَّثًا، أَوْ كَانَ خَلِيطًا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.