الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان
49 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان ح وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16769محمد بن جعفر حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب وهذا حديث أبي بكر قال nindex.php?page=hadith&LINKID=657078أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة فقال قد ترك ما هنالك فقال nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول nindex.php?page=treesubj&link=28650_28647_30479_30483_32122_24661_30502_32485_18064_18288_30237من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12137أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12156أبو معاوية حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن إسمعيل بن رجاء عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري وعن nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري في قصة مروان وحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث شعبة وسفيان
قوله : ( nindex.php?page=treesubj&link=1164أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ) قال القاضي عياض - رحمه الله - اختلف في هذا ، فوقع هنا ما نراه . وقيل : أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة عثمان - رضي الله عنه - ، وقيل : nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة ، ولا ينتظرون الخطبة . وقيل : بل ليدرك الصلاة من تأخر وبعد منزله . وقيل : أول من فعله معاوية . وقيل : فعله ابن الزبير - رضي الله عنه - . والذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - تقديم الصلاة . وعليه جماعة فقهاء الأمصار . وقد عده بعضهم إجماعا يعني والله أعلم بعد الخلاف ، أو لم يلتفت إلى خلاف بني أمية بعد إجماع الخلفاء والصدر الأول .
وفي قوله بعد هذا : ( أما هذا فقد قضى ما عليه ) بمحضر من ذلك الجمع العظيم دليل على [ ص: 217 ] استقرار السنة عندهم على خلاف ما فعله مروان ، وبينه أيضا احتجاجه بقوله : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=753854من رأى منكم منكرا فليغيره ولا يسمى منكرا لو اعتقده ومن حضر ، أو سبق به عمل ، أو مضت به سنة . وفي هذا دليل على أنه لم يعمل به خليفة قبل مروان ، وأن ما حكي عن عمر وعثمان ومعاوية لا يصح . والله أعلم .
قوله : ( فقام إليه رجل فقال : الصلاة قبل الخطبة ، فقال : قد ترك ما هنالك . فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه . سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=753854من رأى منكم منكرا فليغيره بيده الحديث ) قد يقال كيف تأخر أبو سعيد - رضي الله عنه - عن إنكار هذا المنكر حتى سبقه إليه هذا الرجل ؟ وجوابه أنه يحتمل أن أبا سعيد لم يكن حاضرا أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة ، فأنكر عليه الرجل ، ثم دخل أبو سعيد وهما في الكلام . ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضرا من الأول ولكنه خاف على نفسه أو غيره حصول فتنة بسبب إنكاره فسقط عنه الإنكار ، ولم يخف ذلك الرجل شيئا لاعتضاده بظهور عشيرته ، أو غير ذلك ، أو أنه خاف وخاطر بنفسه وذلك جائز في مثل هذا ، بل مستحب . ويحتمل أن أبا سعيد هم بالإنكار فبدره الرجل ، فعضده أبو سعيد . والله أعلم .
ثم جاء في الحديث الآخر الذي اتفق nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم - رضي الله عنهما على إخراجه في باب صلاة العيد أن أبا سعيد هو الذي جذب بيد مروان حين رآه يصعد المنبر ، وكانا جاءا معا فرد عليه مروان بمثل ما رد هنا على الرجل . فيحتمل أنهما قضيتان إحداهما لأبي سعيد والأخرى للرجل بحضرة أبي سعيد . والله أعلم .
وأما قوله : ( فقد قضى ما عليه ) ففيه تصريح بالإنكار أيضا من أبي سعيد .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فليغيره ) فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة . وقد تطابق على nindex.php?page=treesubj&link=24661وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين . ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ، ولا يعتد بخلافهم كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين : لا يكترث بخلافهم في هذا ، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء . ووجوبه بالشرع لا بالعقل خلافا للمعتزلة .
ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين ، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف . ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا [ ص: 218 ] يتمكن من إزالته إلا هو ، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف قال العلماء - رضي الله عنهم - : ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين . وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول . وكما قال الله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=99ما على الرسول إلا البلاغ ومثل العلماء هذا بمن يرى إنسانا في الحمام أو غيره مكشوف بعض العورة ونحو ذلك . والله أعلم . قال العلماء : nindex.php?page=treesubj&link=26527ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه ، بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به ، والنهي وإن كان متلبسا بما ينهى عنه ; فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها ، ويأمر غيره وينهاه ، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر ؟ قال العلماء : nindex.php?page=treesubj&link=20183ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات بل ذلك جائز لآحاد المسلمين . قال إمام الحرمين : والدليل عليه إجماع المسلمين ; فإن غير الولاة في الصدر الأول ، والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف ، وينهونهم عن المنكر ، مع تقرير المسلمين إياهم ، وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية . والله أعلم .
ثم إنه إنما nindex.php?page=treesubj&link=27455يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه ; وذلك يختلف باختلاف الشيء ; فإن كان من الواجبات الظاهرة ، والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها ، فكل المسلمين علماء بها ، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ، ولا لهم إنكاره ، بل ذلك للعلماء . ثم nindex.php?page=treesubj&link=20204العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار فيه لأن على أحد المذهبين كل مجتهد مصيب . وهذا هو المختار عند كثيرين من المحققين أو أكثرهم . وعلى المذهب الآخر المصيب واحد والمخطئ غير متعين لنا ، والإثم مرفوع عنه ، لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق ; فإن العلماء متفقون على nindex.php?page=treesubj&link=28367الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر . وذكر أقضى القضاة nindex.php?page=showalam&ids=15151أبو الحسن الماوردي البصري nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتابه " الأحكام السلطانية " خلافا بين العلماء في أن nindex.php?page=treesubj&link=20204من قلده السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان المحتسب من أهل الاجتهاد أم لا يغير ما كان على مذهب غيره ؟ والأصح أنه لا يغير لما ذكرناه . ولم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم - رضي الله عنهم - أجمعين . ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره . وكذلك قالوا : ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا . والله أعلم .
وينبغي nindex.php?page=treesubj&link=20199للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب . فقد قال الإمام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه ومما يتساهل أكثر الناس فيه من هذا الباب ما إذا رأى إنسانا يبيع متاعا معيبا أو نحوه فإنهم لا ينكرون ذلك ، ولا يعرفون المشتري بعيبه ، وهذا خطأ ظاهر . وقد نص العلماء على أنه يجب على من علم ذلك أن ينكر على البائع ، وأن يعلم المشتري به . والله أعلم .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=20190صفة النهي ومراتبه فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح : nindex.php?page=hadith&LINKID=753855فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فبقلبه ) معناه فليكرهه بقلبه . وليس ذلك بإزالة وتغيير منه للمنكر ولكنه هو الذي في وسعه .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=753856وذلك أضعف الإيمان ) معناه والله أعلم أقله ثمرة ، قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا الحديث أصل في صفة التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولا كان أو فعلا ; فيكسر آلات الباطل ، ويريق المسكر بنفسه ، أو يأمر من يفعله ، وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه ، أو بأمره إذا أمكنه ويرفق في التغيير جهده بالجاهل وبذي العزة الظالم المخوف شره ; إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله . كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى . ويغلظ على المتمادي في غيه ، والمسرف في بطالته ; إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرا أشد مما غيره لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم . فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه من قتله أو قتل غيره بسبب كف يده ، واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف . فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه ، وكان في سعة ، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب ، وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من [ ص: 220 ] غيره ، أو يقتصر على تغييره بقلبه . هذا هو فقه المسألة ، وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين خلافا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال وإن قتل ونيل منه كل أذى . هذا آخر كلام القاضي - رحمه الله - .
قال إمام الحرمين - رحمه الله - : ويسوغ لآحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة وإن لم يندفع عنها بقوله ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال وشهر سلاح . فإن انتهى الأمر إلى ذلك ربط الأمر بالسلطان قال : وإذا جار والي الوقت ، وظهر ظلمه وغشمه ، ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه بالقول ، فلأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب . هذا كلام إمام الحرمين . وهذا الذي ذكره من خلعه غريب ، ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يخف منه إثارة مفسدة أعظم منه . قال : nindex.php?page=treesubj&link=20203_20210وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون ، بل إن عثر على منكر غيره جهده . هذا كلام إمام الحرمين .
وقال أقضى القضاة nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : nindex.php?page=treesubj&link=20203ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات . فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت ، فذلك ضربان .
أحدهما : أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها ، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس ، ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما لا يستدرك . وكذا لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار .
الضرب الثاني : ما قصر عن هذه الرتبة فلا يجوز التجسس عليه ، ولا كشف الأستار عنه . فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار لم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر وليس عليه أن يكشف عن الباطن . وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي في آخر الأحكام السلطانية بابا حسنا في الحسبة مشتملا على جمل من nindex.php?page=treesubj&link=20180قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد أشرنا هنا إلى مقاصدها ، وبسطت الكلام في هذا الباب لعظم فائدته ، وكثرة الحاجة إليه ، وكونه من أعظم قواعد الإسلام . والله أعلم .
قوله : ( وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد وعن nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب عن أبي سعيد ) فقوله : وعن قيس معطوف على إسماعيل . معناه رواه الأعمش عن إسماعيل عن قيس . والله أعلم .