الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حرب فارع بسبب الغلام القضاعي

ومن أيامهم يوم فارع . وسببه أن رجلا من بني النجار أصاب غلاما من قضاعة ثم من بلي ، وكان عم الغلام جارا لمعاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأوسي والد سعد بن معاذ ، فأتى الغلام عمه يزوره فقتله النجاري . فأرسل معاذ إلى بني النجار : أن ادفعوا إلي دية جاري أو ابعثوا إلي بقاتله أرى فيه رأيي . فأبوا أن يفعلوا . فقال رجل من بني عبد الأشهل : والله إن لم تفعلوا لا نقتل به إلا عامر بن الإطنابة ، وعامر من أشراف الخزرج ، فبلغ ذلك عامرا فقال :

ألا من مبلغ الأكفاء عني وقد تهدى النصيحة للنصيح     فإنكم وما ترجون شطري
من القول المزجى والصريح     سيندم بعضكم عجلا عليه
وما أثر اللسان إلى الجروح     أبت لي عزتي وأبى بلائي
وأخذي الحمد بالثمن الربيح     وإعطائي على المكروه مالي
وضربي هامة البطل المشيح     وقولي كلما جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أو تستريحي     لأدفع عن مآثر صالحات
وأحمي بعد عن عرض صحيح     بذي شطب كلون الملح صاف
ونفس لا تقر على القبيح



فقال الربيع بن أبي الحقيق اليهودي في عراض قول عامر بن الإطنابة : [ ص: 594 ]

ألا من مبلغ الأكفاء عني     فلا ظلم لدي ولا افتراء
فلست بغائظ الأكفاء ظلما     وعندي للملامات اجتزاء
فلم أر مثل من يدنو لخسف     له في الأرض سير واستواء
وما بعض الإقامة في ديار     يهان بها الفتى إلا عناء
وبعض القول ليس له عناج     كمحض الماء ليس له إناء
وبعض خلائق الأقوام داء     كداء الشح ليس له دواء
وبعض الداء ملتمس شفاء     وداء النوك ليس له شفاء
يحب المرء أن يلقى نعيما     ويأبى الله إلا ما يشاء
ومن يك عاقلا لم يلق بؤسا     ينخ يوما بساحته القضاء
تعاوره بنات الدهر حتى     تثلمه كما ثلم الإناء
وكل شدائد نزلت بحي     سيأتي بعد شدتها رخاء
فقل للمتقي عرض المنايا     توق فليس ينفعك اتقاء
فما يعطى الحريص غنى بحرص     وقد ينمي لدى الجود الثراء
وليس بنافع ذا البخل مال     ولا مزر بصاحبه الحباء
غني النفس ما استغنى بشيء     وفقر النفس ما عمرت شقاء
يود المرء ما تفد الليالي     كأن فناءهن له فناء



فلما رأى معاذ بن النعمان امتناع بني النجار من الدية أو تسليم القاتل إليه تهيأ للحرب ، وتجهز هو وقومه واقتتلوا عند فارع ، وهو أطم حسان بن ثابت ، واشتد القتال بينهم وعادوا إلى أحسن ما كانوا عليه ، فقال عامر بن الإطنابة في ذلك :

صرمت ظليمة خلتي ومراسلي     وتباعدت ضنا بزاد الراحل
جهلا وما تدري ظليمة أنني     قد أستقل بصرم غير الواصل
ذلل ركابي حيث شئت مشيعي     أني أروع قطا المكان الغافل


[ ص: 595 ] أظليم ما يدريك ربة خلة     حسن ترغمها كظبي الحائل
قد بت مالكها وشارب قهوة     درياقة رويت منها واغلي
بيضاء صافية يرى من دونها     قعر الإناء يضيء وجه الناهل
وسراب هاجرة قطعت إذا جرى     فوق الإكام بذات لون باذل
أجد مراحلها كأن عفاءها     سقطان من كتفي ظليم جافل
فلنأكلن بناجز من مالنا     ولنشربن بدين عام قابل
إني من القوم الذين إذا انتدوا     بدأوا ببر الله ثم النائل
المانعين من الخنا جيرانهم     والحاشدين على طعام النازل
والخالطين غنيهم بفقيرهم     والباذلين عطاءهم للسائل
والضاربين الكبش يبرق بيضه     ضرب المهند عن حياض الناهل
والعاطفين على المصاف خيولهم     والملحقين رماحهم بالقاتل
والمدركين عدوهم بذحولهم     والنازلين لضرب كل منازل
والقائلين معا خذوا أقرانكم     إن المنية من وراء الوائل
خزر عيونهم إلى أعدائهم     يمشون مشي الأسد تحت الوابل
ليسوا بأنكاس ولا ميل إذا     ما الحرب شبت أشعلوا بالشاعل
لا يطبعون وهم على أحسابهم     يشفون بالأحلام داء الجاهل
والقائلين فلا يعاب خطيبهم     يوم المقالة بالكلام الفاصل



وإنما أثبتنا هذه الأبيات وليس فيها ذكر الوقعة لجودتها وحسنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية