الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وعلى الذين يطيقونه فدية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 178 ] أخرج عبد بن حميد ، عن ابن سيرين قال : كان ابن عباس يخطب، فقرأ هذه الآية : وعلى الذين يطيقونه فدية قال : قد نسخت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والنحاس في «ناسخه» ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : وعلى الذين يطيقونه فدية فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا، ثم نزلت هذه الآية : فمن شهد منكم الشهر فليصمه فنسخت الأولى؛ إلا الكبير الفاني، إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود، عن ابن عباس : وعلى الذين يطيقونه فدية فكان من شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه، فقال : فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم ، وقال : فمن شهد منكم الشهر فليصمه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس في الآية قال : كانت رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، ثم نسخت بعد ذلك، فقال الله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، وأثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا [ ص: 179 ] يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما، وللحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكينا، ولا قضاء عليهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارمي، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن خزيمة، وأبو عوانة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، وابن حبان ، والطبراني ، والحاكم ، والبيهقي في "سننه"، عن سلمة بن الأكوع قال : لما نزلت هذه الآية : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من شاء منا صام، ومن شاء أن يفطر ويفتدي فعل، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها : فمن شهد منكم الشهر فليصمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن حبان، عن سلمة بن الأكوع قال : كنا في رمضان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من شاء صام، ومن شاء أفطر وافتدى بإطعام مسكين، حتى نزلت هذه الآية : فمن شهد منكم الشهر فليصمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، عن ابن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : [ ص: 180 ] نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك، فنسختها : وأن تصوموا خير لكم فأمروا بالصوم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن أبي ليلى، حدثنا أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا من غير فريضة، ثم نزل صيام رمضان، وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام، فكان يشتد عليهم الصوم، فكان من لم يصم أطعم مسكينا، ثم نزلت هذه الآية : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فكانت الرخصة للمريض والمسافر، وأمرنا بالصيام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن عامر الشعبي قال : لما نزلت هذه الآية : وعلى الذين يطيقونه فدية أفطر الأغنياء وأطعموا وحصل الصوم على الفقراء، فأنزل الله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه فصام الناس جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع ، وعبد بن حميد ، عن ابن أبي ليلى قال : دخلت على عطاء بن أبي رباح في شهر رمضان وهو يأكل، فقلت له : أتأكل؟ قال : إن الصوم [ ص: 181 ] أول ما نزل كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا كل يوم، فلما نزلت : فمن تطوع خيرا فهو خير له كان من تطوع أطعم مسكينين، فلما نزلت : فمن شهد منكم الشهر فليصمه وجب الصوم على كل مسلم إلا مريضا أو مسافرا أو الشيخ الكبير الفاني مثلي، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة في «المصنف»، والبخاري ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عمر ، أنه كان يقرأ : (فدية طعام مساكين) وقال : هي منسوخة، نسختها الآية التي بعدها : فمن شهد منكم الشهر فليصمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع ، وسفيان، وعبد الرزاق ، والفريابي ، والبخاري ، وأبو داود في «ناسخه»، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في «المصاحف»، والطبراني ، والدارقطني ، والبيهقي من طرق، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : " وعلى الذين يطوقونه " مشددة قال : يكلفونه ولا يطيقونه . ويقول : ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير الهم، والعجوز الكبيرة الهمة، [ ص: 182 ] يطعمون لكل يوم مسكينا ولا يقضون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والدارقطني ، والحاكم وصححاه، والبيهقي ، عن ابن عباس : (وعلى الذين يطوقونه) قال : يكلفونه، فدية طعام مسكين واحد، فمن تطوع خيرا زاد طعام مسكين آخر، فهو خير له وأن تصوموا خير لكم قال : فهذه ليست منسوخة، ولا يرخص إلا للكبير الذي لا يطيق الصوم، أو مريض يعلم أنه لا يشفى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، والبيهقي ، عن عائشة أنها كانت تقرأ : (يطوقونه) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي داود في «المصاحف»، عن سعيد بن جبير، أنه قرأ : (وعلى الذين يطوقونه) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع ، وعبد بن حميد ، وابن الأنباري، عن عكرمة أنه كان [ ص: 183 ] يقرأ : (وعلى الذين يطوقونه) قال : يكلفونه . وقال : ليس هي منسوخة، الذين يطيقونه يصومونه، والذين يطوقونه عليهم الفدية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن الأنباري، عن ابن عباس أنه قرأ : (وعلى الذين يطوقونه) قال : يتجشمونه، يتكلفونه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وأبو داود في «ناسخه» ، وابن جرير ، عن عكرمة أنه كان يقرؤها : (وعلى الذين يطيقونه) وقال : لو كان : يطيقونه إذن صاموا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن عباس قال : نزلت : وعلى الذين يطيقونه فدية في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود في «ناسخه» ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والدارقطني ، والبيهقي ، عن ابن عباس : وعلى الذين يطيقونه فدية قال : ليست منسوخة، هو الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام، يفطر ويتصدق لكل يوم نصف صاع من بر؛ مدا لطعامه، ومدا لإدامه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 184 ] وأخرج ابن سعد في «طبقاته»، عن مجاهد قال : هذه الآية نزلت في مولاي قيس بن السائب : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فأفطر وأطعم لكل يوم مسكينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس : وعلى الذين يطيقونه قال : من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا، والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير، والذي سقم دائم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن علي بن أبي طالب في قوله : وعلى الذين يطيقونه قال : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم، يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو يعلى ، وابن المنذر ، والدارقطني ، والبيهقي ، عن أنس بن مالك ، أنه ضعف عن الصوم عاما قبل موته، فصنع جفنة من ثريد، فدعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، عن قتادة ، أن أنسا ضعف عن الصوم قبل موته عاما، فأفطر وأطعم كل يوم مسكينا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 185 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، والدارقطني وصححه، عن ابن عباس ، أنه قال لأم ولد له حامل أو مرضع : أنت بمنزلة الذين لا يطيقون الصيام، عليك الطعام، ولا قضاء عليك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والدارقطني ، عن نافع قال : أرسلت إحدى بنات ابن عمر إلى ابن عمر تسأله عن صوم رمضان وهي حامل، قال : تفطر وتطعم كل يوم مسكينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير قال : تفطر الحامل التي في شهرها، والمرضع التي تخاف على ولدها، يفطران ويطعمان كل يوم مسكينا، كل واحدة منهما، ولا قضاء عليهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن عثمان بن الأسود قال : سألت مجاهدا عن امرأتي، وكانت حاملا، وشق عليها الصوم . فقال : مرها فلتفطر ولتطعم مسكينا كل يوم، فإذا أصحت فلتقض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن قال : المرضع إذا خافت أفطرت وأطعمت، والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت، هي بمنزلة المريض .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 186 ] وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن الحسن قال : تفطران وتقضيان صياما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن النخعي قال : الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وقضتا مكان ذلك صوما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن إبراهيم قال : إذا خشي إنسان على نفسه في رمضان فليفطر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية