الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون "أم "؛ هي المنقطعة؛ وهي تتضمن الإضراب الانتقالي؛ فانتقل النص القرآني بهم من إنكارهم الرسل وإنكارهم الآيات؛ وكل هذه أمور باطلة؛ ولكنها سلبية في ذاتها؛ تعدت إلى أمر إيجابي منهم؛ وهو باطل؛ كالأمور السلبية؛ على سواء؛ بل أشد وأعنف؛ وهو الباعث على إنكار ما أنكروا معه الرسل والآيات؛ والمعنى اللفظي [ ص: 4846 ] للنص السامي: بل اتخذوا آلهة من الأرض؛ وكان الله يواجههم بإفكهم وافترائهم في عبادتهم؛ والاستفهام إنكاري منصب على ثلاثة أمور؛ أولها اتخاذ آلهة غير الله (تعالى)؛ فهو في ذاته ظلم مستنكر وبهتان عظيم؛ والثاني أنها آلهة من الأرض؛ وفي ذكر الأرض مقابلة بين هذه الآلهة المزعومة؛ والعباد عند الله الذين لا يستكبرون عن عبادته؛ ويسبحون ليلا ونهارا؛ لا يفترون؛ والأرض التي اتخذت منها آلهتهم دون من عند الله؛ فكيف يعبدونها؟! وفي ذكر الأرض استنكار آخر؛ وهو أن هذه الآلهة المزعومة من حجر من الأرض؛ أو من جماد منها؛ لا يعقلون؛ ولا يفكرون؛ فكيف تكون آلهة؟! ومهما يكن فإن ما يكون متخذا من الأرض؛ دون ما عند الله؛ ومن عند الله يعبدونه؛ والأمر الثالث: أنكر عليهم أيضا بالاستفهام؛ وهو استفهام جديد؛ وأحسب أنه لإنكار الوقوع؛ لا لإنكار الواقع؛ فهم لم يقولوه؛ وهو في قوله (تعالى): هم ينشرون أي: يحيون الموتى؛ وأصل "نشر "؛ من نشر الثوب؛ ونشر الله (تعالى) الموتى فيه كشف لهم؛ وإخراج لهم من قبورهم أحياء؛ ولا شك أنهم لا يقولون بالنشر والبعث؛ فهم يحسبون أنه لا يكون قط؛ ولكن النص أثبت عجز من زعموهم آلهة عنه؛ والله (تعالى)؛ الذي يشركون به هذه الأحجار؛ قادر على ذلك؛ وعلى كل شيء؛ كما قال (تعالى): كما بدأكم تعودون ؛ وفي هذا توبيخ على عدم إيمانهم بالبعث؛ مع ادعاء الألوهية لمن لا يصلح أن يكون إلها؛ لأنه لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئا يجلب نفعا؛ أو يرفع ضررا.

                                                          وقد بين - سبحانه - بعد ذلك استحالة الشرك؛ بالدليل الفعلي؛ الذي لا يزال حجية التوحيد؛ فقال - عز من قائل -:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية