الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ومع أنهم يصمون آذانهم عن النذر؛ هم في أشد الهلع والفزع؛ إذا عاينوا العذاب؛ أو جاءتهم منه نفحة؛ ولذا قال (تعالى): ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين اللام الموطئة للقسم؛ و "النفحة ": الريح الطيبة؛ وتستعمل للخير؛ وقد تستعمل للشر؛ كما هنا؛ بدليل قوله (تعالى): نفحة من عذاب ربك والمعنى أنهم صم عند النذر؛ ما دامت قولا منذرا؛ ولو كان وحيا من الله (تعالى)؛ فإذا رأوا الفعل؛ ولو كان نفحة من ريح فيها عذاب؛ اضطربوا وهلعوا وفزعوا؛ فلا يؤمنون بالنذر؛ حتى يروا العذاب الأليم؛ و "مستهم "؛ معناها: أصابتهم إصابة حقيقية من عذاب ربك؛ [ ص: 4874 ] أدركوا هول العذاب؛ وكان إدراك معنى الإنذار؛ وأجابوا - كما قال الله (تعالى) -: يا ويلنا إنا كنا ظالمين أي أنهم إذا أصابتهم نفحة قليلة من العذاب يفزعون؛ وينادون بالويل والعذاب والهلاك؛ يقولون: يا ويلنا؛ أقبل؛ فهذا وقتك؛ ويدركون ظلمهم؛ ويؤكدونه؛ فيقولون: إنا كنا ظالمين فقد أكدوا ظلمهم بثلاثة مؤكدات: بوصفهم بالظلم؛ أولا؛ وبـ "إن "؛ المؤكدة؛ ثانيا؛ وبـ "كان "؛ الدالة على ظلمهم المستمر؛ ثالثا؛ ولقد قال الزمخشري في معنى هذه الآية: ولئن مستهم في هذا الذي ينذرون به أدنى شيء؛ لأذعنوا؛ وذلوا؛ وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم؛ حين تصاموا وأعرضوا؛ وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات؛ لأن النفحة في معنى القلة والنزارة؛ يقال: "نفحته الدابة "؛ وهو رمح يسير؛ و "نفحه بعطية "؛ رضخه؛ ولبناء المرة.

                                                          ونقول: إن المس إصابة غير غامرة؛ بل هو لمسة.

                                                          وظلمهم هو ظلم لأنفسهم؛ وبشركهم؛ وبفسادهم؛ وبإعناتهم للرسل؛ وصدهم عن سبيل الله (تعالى)؛ وإن ذكر هذه النفحة من العذاب تمهيد لذكر القيامة؛ وما يكون فيه من عذاب الجحيم; ولذا قال (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية