nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28999_31952وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين كلام فرعون المحكي هنا واقع في مقام غير مقام المحاور مع
موسى فهو كلام أقبل به على خطاب أهل مجلسه إثر المحاورة مع
موسى ، فلذلك حكي بحرف العطف عطف القصة على القصة . فهذه قصة محاورة بين فرعون وملئه في شأن دعوة
موسى فهي حقيقة بحرف العطف كما لا يخفى .
أراد فرعون بخطابه مع ملئه أن يثبتهم على عقيدة إلهيته ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري إبطالا لقول
موسى المحكي في سورة الشعراء
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=26قال ربكم ورب آبائكم الأولين وقوله هناك
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=24رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين . فأظهر لهم فرعون أن دعوة
موسى لم ترج عنده وأنه لم يصدق بها ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري .
والمراد بنفي علمه بذلك نفي وجود إله غيره بطريق الكناية يريهم أنه أحاط علمه بكل شيء حق فلو كان ثمة إله غيره لعلمه .
والمقصود بنفي وجود إله غيره نفي وجود الإله الذي أثبته
موسى وهو خالق
[ ص: 122 ] الجميع . وأما آلهتهم التي يزعمونها فإنها مما تقتضيه إلهية فرعون ؛ لأن فرعون عندهم هو مظهر الآلهة المزعومة عندهم ؛ لأنه في اعتقادهم ابن الآلهة وخلاصة سرهم ، وكل الصيد في جوف الفرا .
وحيث قال
موسى : إن الإله الحق هو رب السماوات فقد حسب فرعون أن مملكة هذا الرب السماء تصورا مختلا ففرع على نفي إله غيره ، وعلى توهم أن الرب المزعوم مقره السماء أن أمر هامان وزيره أن يبني له صرحا يبلغ به عنان السماء ليرى الإله الذي زعمه
موسى حتى إذا لم يجده رجع إلى قومه فأثبت لهم عدم إله في السماء إثبات معاينة ، أراد أن يظهر لقومه في مظهر المتطلب للحق المستقصي للعوالم حتى إذا أخبر قومه بعد ذلك بأن نتيجة بحثه أسفرت عن كذب
موسى ازدادوا ثقة ببطلان قول
موسى عليه السلام .
وفي هذا الضغث من الجدل السفسطائي مبلغ من الدلالة على سوء انتظام تفكيره وتفكير ملئه ، أو مبلغ تحيله وضعف آراء قومه .
و " هامان " لقب أو اسم لوزير فرعون كما تقدم آنفا . وأراد بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38فأوقد لي يا هامان على الطين أن يأمر هامان العملة أن يطبخوا الطين ليكون آجرا ويبنوا به فكني عن البناء بمقدماته ، وهي إيقاد الأفران لتجفيف الطين المتخذ آجرا . والآجر كانوا يبنون به بيوتهم فكانوا يجعلون قوالب من طين يتصلب إذا طبخ ، وكانوا يخلطونه بالتبن ليتماسك قبل إدخاله التنور ، كما ورد وصف صنع الطين في الإصحاح الخامس من سفر الخروج .
وابتدأ بأمره بأول أشغال البناء للدلالة على العناية بالشروع من أول أوقات الأمر ؛ لأن ابتداء البناء يتأخر إلى ما بعد إحضار مواده فلذلك أمره بالأخذ في إحضار تلك المواد التي أولها الإيقاد ، أي إشعال التنانير لطبخ الآجر . وعبر عن الآجر بالطين ؛ لأنه قوام صنع الآجر ، وهو طين معروف . وكأنه لم يأمره ببناء من حجر وكلس قصدا للتعجيل بإقامة هذا الصرح المرتفع إذ ليس مطلوبا طول بقائه بإحكام بنائه على مر العصور بل المراد سرعة الوصول إلى ارتفاعه كي يشهده الناس ، ويحصل اليأس ثم ينقض من الأساس .
[ ص: 123 ] وعدل عن التعبير بالآجر ، قال
ابن الأثير في المثل السائر : لأن كلمة الآجر ونحوها كالقرمد والطوب كلمات مبتذلة فذكر بلفظ الطين اهـ . وأظهر من كلام
ابن الأثير : أن العدول إلى الطين ؛ لأنه أخف وأفصح .
وإسناد الإيقاد على الطين إلى هامان مجاز عقلي باعتبار أنه الذي يأمر بذلك كما يقولون :
بنى السلطان قنطرة وبنى المنصور بغداد .
وتقدم ذكر هامان آنفا وأنه وزير فرعون . وكانت أوامر الملوك في العصور الماضية تصدر بواسطة الوزير فكان الوزير هو المنفذ لأوامر الملك بواسطة أعوانه من كتاب وأمراء ووكلاء ونحوهم ، كل فيما يليق به .
والصرح : القصر المرتفع ، وقد تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44قيل لها ادخلي الصرح في سورة النمل .
ورجا أن يصل بهذا الصرح إلى السماء حيث مقر إله
موسى . وهذا من فساد تفكيره إذ حسب أن السماء يوصل إليها بمثل هذا الصرح ما طال بناؤه ، وأن الله مستقر في مكان من السماء .
والاطلاع : الطلوع القوي المتكلف لصعوبته .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38وإني لأظنه من الكاذبين استعمل فيه الظن بمعنى القطع فكانت محاولته الوصول إلى السماء لزيادة تحقيق ظنه ؛ أو لأنه أراد أن يقنع قومه بذلك . ولعله أراد بهذا تمويه الأمر على قومه ليلقي في اعتقادهم أن
موسى ادعى أن الله في مكان معين يبلغ إليه ارتفاع صرحه . ثم يجعل عدم العثور على الإله في ذلك الارتفاع دليلا على عدم وجود الإله الذي ادعاه
موسى . وكانت عقائد أهل الضلالة قائمة على التخيل الفاسد ، وكانت دلائلها قائمة على تمويه الدجالين من زعمائهم .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38من الكاذبين يدل على أنه يعده من الطائفة الذين شأنهم الكذب كما تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين .
ولم يذكر القرآن أن هذا الصرح بني ، وليس هو أحد الأهرام ؛ لأن الأهرام بنيت
[ ص: 124 ] من حجارة لا من آجر ، ولأنها جعلت مدافن للذين بنوها من الفراعنة . واختلف المفسرون هل وقع بناء هذا الصرح وتم أو لم يقع ; فحكى بعضهم أنه تم وصعد فرعون إلى أعلاه ونزل وزعم أنه قتل رب
موسى . وحكى بعضهم أن الصرح سقط قبل إتمام بنائه فأهلك خلقا كثيرا من عملة البناء والجند . وحكى بعضهم أنه لم يشرع في بنائه . وقد لاح لي في معنى الآية وجه آخر سأذكره في سورة المؤمن .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28999_31952وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّيَ أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ كَلَامُ فِرْعَوْنَ الْمَحْكِيُّ هُنَا وَاقِعٌ فِي مَقَامٍ غَيْرِ مُقَامِ الْمُحَاوِرِ مَعَ
مُوسَى فَهُوَ كَلَامٌ أَقْبَلَ بِهِ عَلَى خِطَابِ أَهِلِ مَجْلِسِهِ إِثْرَ الْمُحَاوَرَةِ مَعَ
مُوسَى ، فَلِذَلِكَ حُكِيَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ . فَهَذِهِ قِصَّةُ مُحَاوَرَةٍ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فِي شَأْنِ دَعْوَةِ
مُوسَى فَهِيَ حَقِيقَةٌ بِحَرْفِ الْعَطْفِ كَمَا لَا يَخْفَى .
أَرَادَ فِرْعَوْنُ بِخِطَابِهِ مَعَ مَلَئِهِ أَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَى عَقِيدَةِ إِلَهِيَّتِهِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي إِبْطَالًا لِقَوْلِ
مُوسَى الْمَحْكِيِّ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=26قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ وَقَوْلُهُ هُنَاكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=24رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ . فَأَظْهَرَ لَهُمْ فِرْعَوْنُ أَنَّ دَعْوَةَ
مُوسَى لَمْ تَرُجْ عِنْدَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ بِهَا ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي .
وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ نَفْيُ وُجُودِ إِلَهٍ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ يُرِيهِمْ أَنَّهُ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَقٍّ فَلَوْ كَانَ ثَمَّةَ إِلَهٌ غَيْرُهُ لَعَلِمَهُ .
وَالْمَقْصُودُ بِنَفْيِ وُجُودِ إِلَهٍ غَيْرِهِ نَفْيُ وُجُودِ الْإِلَهِ الَّذِي أَثْبَتَهُ
مُوسَى وَهُوَ خَالِقُ
[ ص: 122 ] الْجَمِيعِ . وَأَمَّا آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَزْعُمُونَهَا فَإِنَّهَا مِمَّا تَقْتَضِيهِ إِلَهِيَّةُ فِرْعَوْنَ ؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ عِنْدَهُمْ هُوَ مَظْهَرُ الْآلِهَةِ الْمَزْعُومَةِ عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ فِي اعْتِقَادِهِمُ ابْنُ الْآلِهَةِ وَخُلَاصَةُ سِرِّهِمْ ، وَكُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا .
وَحَيْثُ قَالَ
مُوسَى : إِنَّ الْإِلَهَ الْحَقَّ هُوَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ فَقَدْ حَسِبَ فِرْعَوْنُ أَنَّ مَمْلَكَةَ هَذَا الرَّبِّ السَّمَاءُ تَصَوُّرًا مُخْتَلًّا فَفَرَّعَ عَلَى نَفْيِ إِلَهٍ غَيْرِهِ ، وَعَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الرَّبَّ الْمَزْعُومَ مَقَرُّهُ السَّمَاءُ أَنْ أَمَرَ هَامَانَ وَزِيرَهُ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ صَرْحًا يَبْلُغُ بِهِ عَنَانَ السَّمَاءِ لِيَرَى الْإِلَهَ الَّذِي زَعَمَهُ
مُوسَى حَتَّى إِذَا لَمْ يَجِدْهُ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَثَبْتَ لَهُمْ عَدَمَ إِلَهٍ فِي السَّمَاءِ إِثْبَاتَ مُعَايَنَةٍ ، أَرَادَ أَنْ يَظْهَرَ لِقَوْمِهِ فِي مَظْهَرِ الْمُتَطَلِّبِ لِلْحَقِّ الْمُسْتَقْصِي لِلْعَوَالِمِ حَتَّى إِذَا أَخْبَرَ قَوْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ نَتِيجَةَ بَحْثِهِ أَسْفَرَتْ عَنْ كَذِبِ
مُوسَى ازْدَادُوا ثِقَةً بِبُطْلَانِ قَوْلِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَفِي هَذَا الضِّغْثِ مِنَ الْجَدَلِ السُّفِسْطَائِيِّ مَبْلَغٌ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى سُوءِ انْتِظَامِ تَفْكِيرِهِ وَتَفْكِيرِ مَلْئِهِ ، أَوْ مَبْلَغُ تَحَيُّلِهِ وَضَعْفِ آرَاءِ قَوْمِهِ .
وَ " هَامَانُ " لَقَبٌ أَوِ اسْمٌ لِوَزِيرِ فِرْعَوْنَ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا . وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ أَنْ يَأْمُرَ هَامَانَ الْعَمَلَةَ أَنْ يَطْبُخُوا الطِّينَ لِيَكُونَ آجُرًّا وَيَبْنُوا بِهِ فَكُنِّيَ عَنِ الْبِنَاءِ بِمُقَدَّمَاتِهِ ، وَهِيَ إِيقَادُ الْأَفْرَانِ لِتَجْفِيفِ الطِّينِ الْمُتَّخَذِ آجُرًّا . وَالْآجُرُّ كَانُوا يَبْنُونَ بِهِ بُيُوتَهُمْ فَكَانُوا يَجْعَلُونَ قَوَالِبَ مِنْ طِينٍ يَتَصَلَّبُ إِذَا طُبِخَ ، وَكَانُوا يَخْلِطُونَهُ بِالتِّبْنِ لِيَتَمَاسَكَ قَبْلَ إِدْخَالِهِ التَّنُّورَ ، كَمَا وَرَدَ وَصْفُ صُنْعِ الطِّينِ فِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ .
وَابْتَدَأَ بِأَمْرِهِ بِأَوَّلِ أَشْغَالِ الْبِنَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْعِنَايَةِ بِالشُّرُوعِ مِنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْبَنَاءِ يَتَأَخَّرُ إِلَى مَا بَعْدَ إِحْضَارِ مَوَادِّهِ فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ فِي إِحْضَارِ تِلْكَ الْمَوَادِّ الَّتِي أَوَّلُهَا الْإِيقَادُ ، أَيْ إِشْعَالُ التَّنَانِيرِ لِطَبْخِ الْآجُرِّ . وَعَبَّرَ عَنِ الْآجُرِّ بِالطِّينِ ؛ لِأَنَّهُ قِوَامُ صُنْعِ الْآجُرِّ ، وَهُوَ طِينٌ مَعْرُوفٌ . وَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِبِنَاءٍ مِنْ حَجَرٍ وَكِلْسٍ قَصْدًا لِلتَّعْجِيلِ بِإِقَامَةِ هَذَا الصَّرْحِ الْمُرْتَفِعِ إِذْ لَيْسَ مَطْلُوبًا طُولُ بَقَائِهِ بِإِحْكَامِ بِنَائِهِ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ بَلِ الْمُرَادُ سُرْعَةُ الْوُصُولِ إِلَى ارْتِفَاعِهِ كَيْ يَشْهَدَهُ النَّاسُ ، وَيَحْصُلَ الْيَأْسُ ثُمَّ يُنْقَضُ مِنَ الْأَسَاسِ .
[ ص: 123 ] وَعَدَلَ عَنِ التَّعْبِيرِ بِالْآجُرِّ ، قَالَ
ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْمَثَلِ السَّائِرِ : لِأَنَّ كَلِمَةَ الْآجُرِّ وَنَحْوِهَا كَالْقَرْمَدِ وَالطُّوبِ كَلِمَاتٌ مُبْتَذَلَةٌ فَذُكِرَ بِلَفْظِ الطِّينِ اهـ . وَأُظْهِرَ مِنْ كَلَامِ
ابْنِ الْأَثِيرِ : أَنَّ الْعُدُولَ إِلَى الطِّينِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَأَفْصَحُ .
وَإِسْنَادُ الْإِيقَادِ عَلَى الطِّينِ إِلَى هَامَانَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الَّذِي يَأْمُرُ بِذَلِكَ كَمَا يَقُولُونَ :
بَنَى السُّلْطَانُ قَنْطَرَةً وَبَنَى الْمَنْصُورُ بَغْدَادَ .
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ هَامَانَ آنِفًا وَأَنَّهُ وَزِيرُ فِرْعَوْنَ . وَكَانَتْ أَوَامِرُ الْمُلُوكِ فِي الْعُصُورِ الْمَاضِيَةِ تُصْدَرُ بِوَاسِطَةِ الْوَزِيرِ فَكَانَ الْوَزِيرُ هُوَ الْمُنَفِّذَ لِأَوَامِرَ الْمَلِكِ بِوَاسِطَةِ أَعْوَانِهِ مِنْ كِتَّابٍ وَأُمَرَاءَ وَوُكَلَاءَ وَنَحْوِهِمْ ، كُلٌّ فِيمَا يَلِيقُ بِهِ .
وَالصَّرْحُ : الْقَصْرُ الْمُرْتَفِعُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ .
وَرَجَا أَنْ يَصِلَ بِهَذَا الصَّرْحِ إِلَى السَّمَاءِ حَيْثُ مَقَرُّ إِلَهِ
مُوسَى . وَهَذَا مِنْ فَسَادِ تَفْكِيرِهِ إِذْ حَسِبَ أَنَّ السَّمَاءَ يُوصَلُ إِلَيْهَا بِمِثْلِ هَذَا الصَّرْحِ مَا طَالَ بِنَاؤُهُ ، وَأَنَّ اللَّهَ مُسْتَقِرٌّ فِي مَكَانٍ مِنَ السَّمَاءِ .
وَالِاطِّلَاعُ : الطُّلُوعُ الْقَوِيُّ الْمُتَكَلَّفُ لِصُعُوبَتِهِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ اسْتَعْمَلَ فِيهِ الظَّنَّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ فَكَانَتْ مُحَاوَلَتُهُ الْوُصُولَ إِلَى السَّمَاءِ لِزِيَادَةِ تَحْقِيقِ ظَنِّهِ ؛ أَوْ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقْنِعَ قَوْمَهُ بِذَلِكَ . وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهَذَا تَمْوِيهَ الْأَمْرِ عَلَى قَوْمِهِ لِيُلْقِيَ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ
مُوسَى ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ يَبْلُغُ إِلَيْهِ ارْتِفَاعُ صَرْحِهِ . ثُمَّ يَجْعَلَ عَدَمَ الْعُثُورِ عَلَى الْإِلَهِ فِي ذَلِكَ الِارْتِفَاعِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الْإِلَهِ الَّذِي ادَّعَاهُ
مُوسَى . وَكَانَتْ عَقَائِدُ أَهْلِ الضَّلَالَةِ قَائِمَةً عَلَى التَّخَيُّلِ الْفَاسِدِ ، وَكَانَتْ دَلَائِلُهَا قَائِمَةً عَلَى تَمْوِيهِ الدَّجَّالِينَ مِنْ زُعَمَائِهِمْ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مِنَ الْكَاذِبِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعُدُّهُ مِنَ الطَّائِفَةِ الَّذِينَ شَأْنُهُمُ الْكَذِبُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ .
وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُرْآنُ أَنَّ هَذَا الصَّرْحَ بُنِيَ ، وَلَيْسَ هُوَ أَحَدَ الْأَهْرَامِ ؛ لِأَنَّ الْأَهْرَامَ بُنِيَتْ
[ ص: 124 ] مِنْ حِجَارَةٍ لَا مِنْ آجُرٍّ ، وَلِأَنَّهَا جُعِلَتْ مَدَافِنَ لِلَّذِينَ بَنَوْهَا مِنَ الْفَرَاعِنَةِ . وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَلْ وَقَعَ بِنَاءُ هَذَا الصَّرْحِ وَتَمَّ أَوْ لَمْ يَقَعْ ; فَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ تَمَّ وَصَعِدَ فِرْعَوْنُ إِلَى أَعْلَاهُ وَنَزَلَ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَ رَبَّ
مُوسَى . وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّرْحَ سَقَطَ قَبْلَ إِتْمَامِ بِنَائِهِ فَأَهْلَكَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ عَمَلَةِ الْبِنَاءِ وَالْجُنْدِ . وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي بِنَائِهِ . وَقَدْ لَاحَ لِي فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ سَأَذْكُرُهُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ .