الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ومنهم أميون )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ومنهم أميون ) ، ومن هؤلاء - اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات ، وأيأس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيمانهم فقال لهم : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم إذا لقوكم قالوا : آمنا ، كما : -

1352 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ومنهم أميون ) ، يعني : من اليهود .

1353 - وحدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

1354 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( ومنهم أميون ) ، قال : أناس من يهود .

قال أبو جعفر : يعني ب " الأميين " ، الذين لا يكتبون ولا يقرءون .

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " يقال منه : " رجل أمي بين الأمية " . كما : -

1356 - حدثني المثنى قال ، حدثني سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن [ ص: 258 ] المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ) ، قال : منهم من لا يحسن أن يكتب .

1357 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( ومنهم أميون ) قال : أميون لا يقرءون الكتاب من اليهود .

وروي عن ابن عباس قول خلاف هذا القول ، وهو ما : -

1358 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( ومنهم أميون ) ، قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، [ ص: 259 ] ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله . وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين ، لجحودهم كتب الله ورسله .

قال أبو جعفر : وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم ، وذلك أن " الأمي " عند العرب : هو الذي لا يكتب .

قال أبو جعفر : وأرى أنه قيل للأمي " أمي " ; نسبة له بأنه لا يكتب إلى " أمه " ، لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء ، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال - إلى أمه - في جهله بالكتابة ، دون أبيه ، كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " ، وكما قال : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) [ الجمعة : 2 ] . فإذا كان معنى " الأمي " في كلام العرب ما وصفنا ، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي ، من أن معنى قوله : ( ومنهم أميون ) : ومنهم من لا يحسن أن يكتب .

التالي السابق


الخدمات العلمية