الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وبين - سبحانه - أن الله (تعالى) يريد اليسر من عباده؛ ولا يريد العسر؛ وأنه لا يكلف - سبحانه - إلا بما يكون في دائرة الطاقة في يسر؛ ومن غير مشقة؛ فيقول - تعالت حكمته: ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون ؛ الواو للاستئناف؛ ولا نكلف نفسا إلا وسعها ؛ أي: إلا ما في طاقتها؛ وتستطيع القيام به؛ في سعة من غير إرهاق؛ ولا إجهاد؛ فلفظ وسعها ؛ يشير إلى أنه تكون عند عمله في سعة من غير ضيق ولا إحراج؛ فلا حرج في الدين ولا ضيق؛ وكذلك كل تكليفات الإسلام؛ ليس فيها شقة فوق الطاقة؛ وما يكون فيها شقة ربما تكون شديدة أحيانا؛ لا تكون على الكافة؛ كالجهاد؛ بل يكون ابتداء فرض كفاية؛ إلا أن يدخل العدو أرضنا؛ فيكون فرض عين على كل قادر على حمل السلاح; لأنه يكون شقة شديدة لدفع شقة أشد؛ وهي شقة الذل وضياع الدين؛ وهذه أشد الشقات. [ ص: 5089 ] والصفات التي اتصف بها المؤمنون؛ والأعمال التي يقومون بها؛ في الطاقة؛ والعمل عن سعة ويسر وسهولة إلا على الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.

                                                          وإن كل عمل؛ خيرا[كان] أو شرا؛ في إحصاء دقيق؛ لا يتخلف عنه شيء؛ ولذا قال (تعالى): ولدينا كتاب ينطق بالحق ؛ قالوا: إنه كتاب الأعمال؛ الذي يحصى فيه كل عمل؛ خيرا كان أو شرا؛ ويصح أن نقول: إن ذلك تصوير لعلم الله بما يفعله كل إنسان؛ ويوم القيامة يجده محضرا يخبر به؛ ويحاسب عليه؛ لا يغفر أن يشرك به؛ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء؛ وصور الله - سبحانه وتعالى - إحصاء أعماله كلها كأنها تنطق به؛ متلبسة بالحق؛ مخالطة له؛ غير بعيدة؛ وأكد - سبحانه - أنهم لا يظلمون؛ فقال: وهم لا يظلمون ؛ فلا ينقص من خير فعلوه؛ ولا يزاد على سيئاتهم سيئات؛ بل إن الله يعفو عن السيئات إذا كثرت الحسنات: إن الحسنات يذهبن السيئات

                                                          هذه صفات المؤمنين؛ وعقباها؛ جاء بها - سبحانه - وسط وصف الكافرين؛ واستكبارهم؛ ليكون المؤمنون مجال اعتبار؛ وليمكن لهم؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية