الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فاستجبنا له أي دعاءه الذي دعاه في ضمن الاعتراف وإظهار التوبة على ألطف وجه وأحسنه .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج أحمد والترمذي والنسائي والحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه وابن جرير والبيهقي في الشعب وجماعة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له» وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أن ذلك اسم الله تعالى الأعظم ، وأخرج ذلك الحاكم عن سعد مرفوعا ، وقد شاهدت أثر الدعاء به ولله تعالى الحمد حين أمرني بذلك من أظن ولايته من الغرباء المجاورين في حضرة الباز الأشهب وكان قد أصابني من البلاء ما الله تعالى أعلم به وفي شرحه طول وأنت ملول . وجاء عن أنس مرفوعا أنه عليه السلام حين دعا بذلك أقبلت دعوته تحف بالعرش فقالت الملائكة عليهم السلام : هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة فقال الله تعالى : أما تعرفون ذلك ؟ قالوا : يا رب ومن هو ؟ قال : ذاك عبدي يونس قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة يا رب أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء قال : بلى فأمر الحوت فطرحه وذلك قوله تعالى : ونجيناه من الغم أي الذي ناله حين التقمه الحوت بأن قذفه إلى الساحل بعد ساعات . قال الشعبي : التقمه ضحى ولفظه عشية ، وعن قتادة أنه بقي في بطنه ثلاثة أيام وهو الذي زعمته اليهود ، وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أنه بقي سبعة أيام .

                                                                                                                                                                                                                                      وروى ابن أبي حاتم عن أبي مالك أنه بقي أربعين يوما ، وقيل المراد بالغم غم الخطيئة وما تقدم أظهر ، ولم يقل جل شأنه فنجيناه كما قال تعالى في قصة أيوب عليه السلام فكشفنا . قال بعض الأجلة لأنه دعا بالخلاص من الضر فالكشف المذكور يترتب على استجابته ويونس عليه السلام لم يدع فلم يوجد وجه الترتيب في استجابته . ورد بأن الفاء في قصة أيوب عليه السلام تفسيرية والعطف هنا أيضا تفسيري والتفنن طريقة مسلوكة في البلاغة ، ثم لا نسلم أن يونس عليه السلام لم يدع ولو لم يكن منه دعاء لم تتحقق الاستجابة اهـ . وتعقبه الخفاجي بأنه لا محصل له ، وكونه تفسيرا لا يدفع السؤال لأن حاصله لم أتي بالفاء ثمت ولم يؤت بها هنا ؟ فالظاهر أن يقال : إن الأول دعاء بكشف الضر على وجه التلطف فلما أجمل في الاستجابة وكان السؤال بطريق الإيماء ناسب أن يؤتى بالفاء التفصيلية ، وأما هنا فلما هاجر عليه السلام من غير أمر كان ذلك ذنبا بالنسبة إليه عليه السلام كما أشار إليه بقوله : إني كنت من الظالمين فما أوحي إليه هو الدعاء بعدم مؤاخذته بما صدر منه فالاستجابة عبارة عن قبول توبته وعدم مؤاخذته ، وليس ما بعده تفسيرا له بل زيادة إحسان على مطلوبه ولذا عطف بالواو اهـ ولا يخفى أن ما ذكره لا يتسنى في قوله تعالى : ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم [الأنبياء : 76]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية