الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد ، عن الحسن ، أنه كان يقرؤها : تفسحوا في المجالس - بالألف – فافسحوا يفسح الله لكم وقال في القتال : وإذا قيل انشزوا فانشزوا قال : إذا قيل : انهدوا إلى العدو فانهدوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس) قال : مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم – خاصة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير ، قال : كان الناس يتناجون في المجلس عند النبي - صلى الله عليه وسلم – فنزلت : (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا يفسح الله لكم) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 322 ] وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : إذا قيل لكم تفسحوا الآية قال : نزلت هذه الآية في مجالس الذكر، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا ضنوا بمجالسهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن الحسن في الآية قال : كانوا يجيئون فيجلسون ركاما، بعضهم خلف بعض، فأمروا أن يتفسحوا في المجلس، فأفسح بعضهم لبعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان قال : أنزلت هذه الآية يوم جمعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ في الصفة، وفي المكان ضيق، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر، وقد سبقوا إلى المجالس، فقاموا حيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم – عليهم، ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يحملهم على القيام، فلم يفسح لهم، فشق ذلك عليه، فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر : «قم يا فلان، وأنت يا فلان» فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه، فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 323 ] وأخرج مالك، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، عن ابن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس قال : ذلك في مجلس القتال، وإذا قيل انشزوا قال : إلى الخير والصلاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : وإذا قيل انشزوا قال : إلى كل خير؛ قتال عدو، وأمر بمعروف، أو حق ما كان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : وإذا قيل انشزوا فانشزوا يقول : إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، والحاكم وصححه، والبيهقي في «المدخل» ، عن ابن عباس في قوله : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات قال : يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس أنه [ ص: 324 ] قال : تفسير هذه الآية : يرفع الله الذين آمنوا منكم وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن ابن مسعود قال : ما خص الله العلماء في شيء من القرآن ما خصهم في هذه الآية؛ فضل الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية