الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ دلا ]

                                                          دلا : الدلو : معروفة ، واحدة الدلاء التي يستقى بها تذكر وتؤنث ; قال رؤبة :


                                                          تمشي بدلو مكرب العراقي



                                                          والتأنيث أعلى وأكثر ، والجمع أدل في أقل العدد ، وهو أفعل ، قلبت الواو ياء لوقوعها طرفا بعد ضمة ، والكثير دلاء ودلي ، على فعول ، وهي الدلاة والدلا ، بالفتح والقصر ، الواحدة دلاة ; قال الجميح :


                                                          طامي الجمام لم تمخجه الدلا



                                                          وأنشد ابن بري هذا البيت ونسبه للشماخ ; وأنشد لآخر :


                                                          إن لنا قليذما هموما     يزيدها مخج الدلا جموما



                                                          وأنشد لآخر في المفرد :


                                                          دلوك إني رافع دلاتي



                                                          وأنشد لآخر :


                                                          أي دلاة نهل دلاتي



                                                          وقوله في حديث عثمان - رضي الله عنه : تطأطأت لكم تطأطؤ الدلاة ; قال ابن الأثير : هو جمع دال كقاض وقضاة ، وهو النازع في الدلو المستقي بها الماء من البئر . يقال : أدليت الدلو ودليتها إذا أرسلتها في البئر ، ودلوتها أدلوها فأنا دال إذا أخرجتها ، ومعنى الحديث تواضعت لكم وتطامنت كما يفعل المستقي بالدلو . ومنه حديث ابن الزبير : أن حبشيا وقع في بئر زمزم فأمرهم أن يدلو ماءها أي يستقوه ، وقيل : الدلا جمع دلاة كفلا جمع فلاة . والدلاة أيضا : الدلو الصغيرة ; وقول الشاعر :


                                                          آليت لا أعطي غلاما أبدا     دلاته ، إني أحب الأسودا



                                                          يريد بدلاته سجله ، ونصيبه من الود ، والأسود اسم ابنه . ودلوتها وأدليتها إذا أرسلتها في البئر لتستقي بها أدليها إدلاء ، وقيل : أدلاها ألقاها ليستقي بها ، ودلاها جبذها ليخرجها ، تقول دلوتها أدلوها دلوا إذا أخرجتها وجذبتها من البئر ملأى ; قال الراجز العجاج :


                                                          ينزع من جماتها دلو الدال



                                                          أي نزع النازع . ودلوت الدلو : نزعتها . قال الجوهري : وقد جاء في الشعر الدالي بمعنى المدلي ; وهو قول العجاج :


                                                          يكشف ، عن جماته ، دلو الدال     عباءة غبراء من أجن طال



                                                          يعني المدلي ; قال ابن بري : ومثله لرؤبة :


                                                          يخرجن من أجواز ليل غاضي



                                                          أي مغض ، قال : وقال علي بن حمزة قد غلط جماعة من الرواة في تفسير بيت العجاج آخرهم ثعلب ، قال : يعني كونهم قدروا الدالي بمعنى المدلي ; قال ابن حمزة : وإنما المعنى فيه أنه لما كان المدلي إذا أدلى دلوه عاد فدلاها أي أخرجها ملأى قال دلو الدال كما قال النابغة :


                                                          مثل الإماء الغوادي تحمل الحزما



                                                          وإنما تحملها عند الرواح ، فلما كن إذا غدون رحن قال : مثل الإماء الغوادي . ويقال : دلوتها وأنا أدلوها وأدلوتها . وفي قصة يوسف : فأدلى دلوه قال يابشرى . ودلوت بفلان إليك أي استشفعت به إليك . قال عمر لما استسقى بالعباس - رضي الله عنهما : اللهم إنا نتقرب إليك بعم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقفية آبائه وكبر رجاله دلونا به إليك مستشفعين قال الهروي : معناه متتنا وتوسلنا ; قال ابن سيده : وأرى معناه أنهم توسلوا بالعباس إلى رحمة الله وغياثه كما يتوسل [ ص: 295 ] بالدلو إلى الماء ; قال ابن الأثير : هو من الدلو لأنه يتوصل به إلى الماء ، وقيل : أراد به أقبلنا وسقنا ، من الدلو وهو السير الرفيق . وهو يدلي برحمه أي يمت بها . والدلو : سمة للإبل . وقولهم : جاء فلان بالدلو أي بالداهية ; قال الراجز :


                                                          يحملن عنقاء وعنقفيرا     والدلو والديلم والزفيرا



                                                          والدلو : برج من بروج السماء معروف ، سمي به تشبيها بالدلو . والدالية شيء يتخذ من خوص وخشب يستقى به بحبال تشد في رأس جذع طويل ; قال مسكين الدارمي :


                                                          بأيديهم مغارف من حديد     يشبهها مقيرة الدوالي



                                                          والدالية : المنجنون ، وقيل : المنجنون تديرها البقرة ، والناعورة يديرها الماء . ابن سيده : والدالية الأرض تسقى بالدلو والمنجنون . والدوالي : عنب أسود غير حالك وعناقيده أعظم العناقيد كلها تراها كأنها تيوس معلقة ، وعنبه جاف يتكسر في الفم مدحرج ويزبب ; حكاه ابن سيده عن أبي حنيفة . وأدلى الفرس وغيره : أخرج جردانه ليبول أو يضرب ، وكذلك أدلى العير ودلى ; قيل لابنة الخس : ما مائة من الحمر ؟ قالت : عازبة الليل وخزي المجلس ، لا لبن فتحلب ولا صوف فتجز ، إن ربط عيرها دلى وإن أرسلته ولى . والإنسان يدلي شيئا في مهواة ويتدلى هو نفسه . ودلى الشيء في المهواة : أرسله فيها ; قال :


                                                          من شاء دلى النفس في هوة     ضنك ، ولكن من له بالمضيق



                                                          أي بالخروج من المضيق ، وتدليت فيها وعليها ; قال لبيد يصف فرسا :


                                                          فتدليت عليها قافلا     وعلى الأرض غيايات الطفل



                                                          أراد أنه نزل من مربائه وهو على فرسه راكب . ولا يكون التدلي إلا من علو إلى استفال ، تدلى من الشجرة . ويقال : تدلى فلان علينا من أرض كذا وكذا أي أتانا . يقال : من أين تدليت علينا ؟ قال أسامة الهذلي :


                                                          تدلى عليه وهو زرق حمامة     له طحلب ، في منتهى القيض ، هامد



                                                          وقوله تعالى : فدلاهما بغرور . قال أبو إسحاق : دلاهما في المعصية بأن غرهما ، وقال غيره : فدلاهما فأطعمهما ; ومنه قول أبي جندب الهذلي :


                                                          أحص فلا أجير ، ومن أجره     فليس كمن يدلى بالغرور



                                                          أحص : أمنع ، وقيل : أحص أقطع ذلك ، وقوله : كمن يدلى أي يطمع ; قال أبو منصور : وأصله الرجل العطشان يدلى في البئر ليروى من مائها فلا يجد فيها ماء فيكون مدليا فيها بالغرور ، فوضعت التدلية موضع الإطماع فيما لا يجدي نفعا ; وفيه قول ثالث : فدلاهما بغرور ، أي جرأهما إبليس على أكل الشجرة بغرره ، والأصل فيه دللهما ، والدال والدالة : الجرأة . الجوهري : ودلاه بغرور أي أوقعه فيما أراد من تغريره وهو من إدلاء الدلو . وأما قوله - عز وجل : ثم دنا فتدلى ; قال الفراء : ثم دنا جبريل من محمد فتدلى كأن المعنى ثم تدلى فدنا ، قال : وهذا جائز إذا كان المعنى في الفعلين واحدا . وقال الزجاج : معنى دنا فتدلى واحد لأن المعنى أنه قرب فتدلى أي زاد في القرب ، كما تقول قد دنا فلان مني وقرب . قال الجوهري : ثم دنا فتدلى ، أي تدلل كقوله : ثم ذهب إلى أهله يتمطى ; أي يتمطط . وفي حديث الإسراء : فتدلى فكان قاب قوسين ; التدلي : النزول من العلو ; قال ابن الأثير : والضمير لجبريل - عليه الصلاة والسلام . وأدلى بحجته : أحضرها واحتج بها . وأدلى إليه بماله : دفعه . التهذيب : وأدلى بمال فلان إلى الحاكم إذا دفعه إليه ; ومنه قوله تعالى : وتدلوا بها إلى الحكام ; يعني الرشوة . قال أبو إسحاق : معنى تدلوا في الأصل من أدليت الدلو إذا أرسلتها لتملأها ، قال : ومعنى أدلى فلان بحجته أي أرسلها وأتى بها على صحة ، قال : فمعنى قوله وتدلوا بها إلى الحكام ، أي تعملون على ما يوجبه الإدلاء بالحجة وتخونون في الأمانة لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم ، كأنه قال تعملون على ما يوجبه ظاهر الحكم وتتركون ما قد علمتم أنه الحق ; وقال الفراء : معناه لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تدلوا بها إلى الحكام ، وإن شئت جعلت نصب وتدلوا بها إذا ألقيت منها لا على الظرف ، والمعنى لا تصانعوا بأموالكم الحكام ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم ; قال أبو منصور : وهذا عندي أصح القولين لأن الهاء في قوله وتدلوا بها للأموال وهي ، على قول الزجاج ، للحجة ولا ذكر لها في أول الكلام ولا في آخره . وأدليت فيه : قلت قولا قبيحا ; قال :


                                                          ولو شئت أدلى فيكما غير واحد     علانية ، أو قال عندي في السر



                                                          ودلوت الناقة والإبل دلوا : سقتها سوقا رفيقا رويدا ; قال :


                                                          لا تقلواها وادلواها دلوا     إن مع اليوم أخاه غدوا



                                                          وقال الشاعر :


                                                          لا تعجلا بالسير وادلواها     لبئسما بطء ولا نرعاها



                                                          وادلولى أي أسرع ، وهي افعوعل . ودلوت الرجل وداليته إذا رفقت به وداريته . قال ابن بري : المدالاة المصانعة مثل المداجاة ; قال كثير :


                                                          ألا يا لقومي ، للنوى وانفتالها !     وللصرم من أسماء ما لم ندالها



                                                          وقول الشاعر :


                                                          كأن راكبها غصن بمروحة     إذا تدلت به ، أو شارب ثمل



                                                          [ ص: 296 ] يجوز أن يكون تفعلت من الدلو الذي هو السوق الرفيق كأنه دلاها فتدلت ، قال : ويجوز أن يكون أراد تدللت من الإدلال ، فكره التضعيف فحول إحدى اللامين ياء كما قالوا تظنيت في تظننت . ابن الأعرابي : دلي إذا ساق ودلي إذا تحير ، وقال : تدلى إذا قرب بعد علو ، وتدلى تواضع . وداليته أي داريته .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية