الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا

                                                                                                                                                                                                عتت عن أمر ربها أعرضت عنه على وجه العتو والعناد حسابا شديدا بالاستقصاء والمناقشة عذابا نكرا وقرئ: "نكرا" منكرا عظيما، والمراد: حساب الآخرة وعذابها وما [ ص: 151 ] يذوقون فيها من الوبال ويلقون من الخسر، وجيء به على لفظ الماضي، كقوله تعالى: ونادى أصحاب الجنة [الأعراف: 44]. ، ونادى أصحاب النار [الأعراف: 50]. ونحو ذلك; لأن المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة، وما هو كائن فكان قد كان. وقوله: أعد الله لهم عذابا شديدا تكرير للوعيد وبيان لكونه مترقبا، كأنه قال: أعد الله لهم هذا العذاب فليكن لكم ذلك. يا أولي الألباب من المؤمنين لطفا في تقوى الله وحذر عقابه. ويجوز أن يراد إحصاء السيئات، واستقصاؤها عليهم في الدنيا، وإثباتها في صحائف الحفظة، وما أصيبوا به من العذاب في العاجل; وأن يكون "عتت" وما عطف عليه: صفة للقرية. وأعد الله لهم: جوابا لكأين. "رسولا" هو جبريل صلوات الله عليه: أبدل من ذكرا، لأنه وصف بتلاوة آيات الله، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر فصح إبداله منه. أو أريد بالذكر: الشرف، من قوله: وإنه لذكر لك ولقومك [الزخرف: 44]. فأبدل منه، كأنه في نفسه شرف: إما لأنه شرف للمنزل عليه، وإما لأنه ذو مجد وشرف عند الله، كقوله تعالى: عند ذي العرش مكين [التكوير: 20]. أو جعل لكثرة ذكره لله وعبادته كأنه ذكر. أو أريد: ذا ذكر، أي: ملكا مذكورا في السموات وفي الأمم كلها.

                                                                                                                                                                                                أو دل قوله: أنزل الله إليكم ذكرا [الطلاق: 10]. على: أرسل فكأنه قيل: أرسل رسولا; أو أعمل ذكرا في "رسولا" إعمال المصدر في المفاعيل، أي: أنزل الله أن ذكر رسولا أو ذكره رسولا. وقرئ: "رسول"، على: هو رسول. أنزله ليخرج الذين آمنوا بعد إنزاله، أي: ليحصل لهم ما هم عليه الساعة من الإيمان والعمل الصالح: لأنهم كانوا وقت إنزاله غير مؤمنين، وإنما آمنوا بعد الإنزال والتبليغ. أو ليخرج الذين عرف منهم أنهم يؤمنون. قرئ: "يدخله"، بالياء والنون. قد أحسن الله له رزقا فيه معنى التعجب والتعظيم، لما رزق المؤمن من الثواب.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية