nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=29004_28410ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيئين وكان الله بكل شيء عليما " استئناف للتصريح بإبطال أقوال المنافقين والذين في قلوبهم مرض وما يلقيه
اليهود في نفوسهم من الشك .
وهو ناظر إلى قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وما جعل أدعياءكم أبناءكم . والغرض من هذا العموم قطع توهم أن يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولد من الرجال تجري عليه أحكام النبوة حتى لا يتطرق الإرجاف والاختلاق إلى من يتزوجهن من أيامى المسلمين أصحابه مثل
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة .
و من رجالكم وصف لـ ( أحد ) ، وهو احتراس لأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - أبو بنات . والمقصود : نفي أن يكون أبا لأحد من الرجال في حين نزول الآية ؛ لأنه كان ولد له أولاد أو ولدان
بمكة من
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة وهم
الطيب ،
والطاهر ( أو هما اسمان
[ ص: 44 ] لواحد
والقاسم ، وولد له
إبراهيم بالمدينة من
مارية القبطية ، وكلهم ماتوا صبيانا ولم يكن منهم موجود حين نزول الآية .
والمنفي هو وصف الأبوة المباشرة لأنها الغرض الذي سيق الكلام لأجله والذي وهم فيه من وهم فلا التفات إلى كونه جدا
للحسن ،
والحسين ،
ومحسن أبناء ابنته
فاطمة - رضي الله عنها - إذ ليس ذلك بمقصود . ولا يخطر ببال أحد نفي أبوته لهم بمعنى الأبوة العليا ، أو المراد أبوة الصلب دون أبوة الرحم .
وإضافة رجال إلى ضمير المخاطبين والعدول عن تعريفه باللام لقصد توجيه الخطاب إلى الخائضين في قضية تزوج
زينب إخراجا للكلام في صيغة التغليط والتغليظ .
وأما توجيهه بأنه كالاحتراز عن أحفاده وأنه قال من رجالكم وأما الأحفاد فهم من رجاله ففيه سماجة وهو أن يكون في الكلام توجيه بأن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - بريء من المخاطبين أعني المنافقين ، وليس بينه وبينهم الصلة الشبيهة بصلة الأبوة الثابتة بطريقة لحن الخطاب من قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6وأزواجه أمهاتهم كما تقدم .
واستدراك قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40ولكن رسول الله لرفع ما قد يتوهم من نفي أبوته ، من انفصال صلة التراحم والبر بينه وبين الأمة فذكروا بأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كالأب لجميع أمته في شفقته ورحمته بهم ، وفي برهم وتوقيرهم إياه ، شأن كل نبي مع أمته .
والواو الداخلة على ( لكن ) زائدة و ( لكن ) عاطفة ولم ترد ( لكن ) في كلام العرب عاطفة إلا مقترنة بالواو كما صرح به
المرادي في شرح التسهيل . وحرف ( لكن ) مفيد الاستدراك .
وعطف صفة خاتم النبيئين على صفة رسول الله تكميل وزيادة في التنويه بمقامه - صلى الله عليه وسلم - وإيماء إلى أن في انتفاء أبوته لأحد من الرجال حكمة قدرها الله تعالى وهي إرادة أن لا يكون إلا مثل الرسل أو أفضل في جميع خصائصه .
وإذا قد كان الرسل لم يخل عمود أبنائهم من نبيء كان
nindex.php?page=treesubj&link=25027_28747كونه خاتم النبيئين مقتضيا أن لا يكون له أبناء بعد وفاته لأنهم لو كانوا أحياء بعد وفاته ولم تخلع
[ ص: 45 ] عليهم خلعة النبوة لأجل ختم النبوة به ، كان ذلك غضا فيه دون سائر الرسل وذلك ما لا يريده الله به . ألا ترى أن الله لما أراد قطع النبوءة من
بني إسرائيل بعد
عيسى عليه السلام صرف
عيسى عن التزوج .
فلا تجعل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40وخاتم النبيئين داخلا في حيز الاستدراك لما علمت من أنه تكميل واستطراد بمناسبة إجراء وصف الرسالة عليه . وببيان الحكمة يظهر حسن موقع التذييل بجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40وكان الله بكل شيء عليما إذ أظهر مقتضى حكمته فيما قدره من الأقدار كما في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم .
والآية نص في أن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيئين وأنه لا نبي بعده في البشر لأن النبيئين عام ، فخاتم النبيئين هو خاتمهم في صفة النبوءة . ولا يعكر على نصية الآية أن العموم دلالته على الأفراد ظنية لأن ذلك لاحتمال وجود مخصص . وقد تحققنا عدم المخصص بالاستقراء .
وقد أجمع الصحابة على أن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم الرسل والأنبياء وعرف ذلك وتواتر بينهم وفي الأجيال من بعدهم ولذلك لم يترددوا في تكفير
مسيلمة ،
والأسود العنسي فصار معلوما من الدين بالضرورة فمن أنكره فهو كافر خارج عن الإسلام ولو كان معترفا بأن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله للناس كلهم . وهذا النوع في اختلاف بعضهم في
nindex.php?page=treesubj&link=21616حجية الإجماع إذ المختلف في حجيته هو الإجماع المستند لنظر وأدلة اجتهادية بخلاف المتواتر المعلوم بالضرورة في كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في خاتمة كتاب الاقتصاد في الاعتقاد مخالفة لهذا على ما فيه من قلة تحرير . وقد حمل عليه
ابن عطية حملة غير منصفة وألزمه إلزاما فاحشا ينزه عنه علمه ودينه فرحمة الله عليهما .
ولذلك لا يتردد مسلم في تكفير من يثبت نبوءة لأحد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - وفي إخراجه من حظيرة الإسلام ، ولا تعرف طائفة من المسلمين أقدمت على ذلك إلا
[ ص: 46 ] nindex.php?page=treesubj&link=28840_28830البابية والبهائية وهما نحلتان مشتقة ثانيتهما من الأولى . وكان ظهور الفرقة الأولى في بلاد فارس في حدود سنة مائتين وألف ، وتسربت إلى العراق ، وكان القائم بها رجلا من أهل شيراز يدعوه أتباعه (
السيد علي محمد ) كذا اشتهر اسمه ، كان في أول أمره من غلاة الشيعة الإمامية . أخذ عن رجل من المتصوفين اسمه الشيخ
أحمد زين الدين الأحسائي الذي كان ينتحل التصوف بالطريقة الباطنية ، وهي الطريقة المتلقاة عن الحلاج . وكانت طريقته تعرف بالشيخية ، ولما أظهر نحلته
علي محمد هذا لقب نفسه باب العلم فغلب عليه اسم الباب . وعرفت نحلته بالبابية وادعى لنفسه النبوءة ، وزعم أنه أوحي إليه بكتاب اسمه ( البيان ) وأن القرآن أشار إليه بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خلق الإنسان علمه البيان .
وكتاب البيان مؤلف بالعربية الضعيفة ومخلوط بالفارسية . وقد حكم عليه بالقتل سنة 1266 في تبريز .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28830البهائية فهي شعبة من البابية تنسب إلى مؤسسها الملقب
ببهاء الله ، واسمه ميرزا حسين علي من
أهل طهران ، تتلمذ للباب بالمكاتبة وأخرجته حكومة شاه العجم إلى بغداد بعد قتل الباب . ثم نقلته الدولة العثمانية من بغداد إلى أدرنة ثم إلى عكا ، وفيها ظهرت نحلته ، وهم يعتقدون نبوءة الباب ، وقد التف حوله أصحاب نحلة البابية وجعلوه خليفة الباب ، فقام اسم البهائية مقام اسم البابية فالبهائية هم البابية . وقد كان
البهاء بنى بناء في جبل الكرمل ليجعله مدفنا لرفات الباب ، وآل أمره إلى أن سجنته السلطنة العثمانية في سجن عكا فلبث في السجن سبع سنوات ، ولم يطلق من السجن إلا عندما أعلن الدستور التركي فكان في عداد المساجين السياسيين الذين أطلقوا يومئذ ، فرحل منتقلا في أوربا وأميركا مدة عامين ثم عاد إلى حيفا فاستقر بها إلى أن توفي سنة 1340 ، وبعد موته نشأ شقاق بين أبنائه وإخوته فتفرقوا في الزعامة وتضاءلت نحلتهم .
nindex.php?page=treesubj&link=28840_10018_10019فمن كان من المسلمين متبعا للبهائية أو البابية فهو خارج عن الإسلام مرتد عن دينه تجري عليه أحكام المرتد . ولا يرث مسلما ويرثه جماعة المسلمين ولا ينفعهم قولهم : إنا مسلمون ولا نطقهم بكلمة الشهادة لأنهم يثبتون الرسالة
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم قالوا بمجيء رسول من بعده . ونحن كفرنا الغرابية من الشيعة
[ ص: 47 ] لقولهم : بأن
جبريل أرسل إلى
علي ولكنه شبه له
محمد بعلي إذ كان أحدهما أشبه بالآخر من الغراب بالغراب ( وكذبوا ) فبلغ الرسالة إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فهم أثبتوا الرسالة
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم زعموه غير المعين من عند الله .
وتشبه طقوس البهائية طقوس الماسونية إلا أن البهائية تنتسب إلى التلقي من الوحي الإلهي ، فبذلك فارقت الماسونية وعدت في الأديان والملل ولم تعد في الأحزاب .
وانتصب رسول الله معطوفا على
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40أبا أحد من رجالكم عطفا بالواو المقترنة بـ ( لكن ) لتفيد رفع النفي الذي دخل على عامل المعطوف عليه .
وقرأ الجمهور
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40وخاتم النبيئين بكسر تاء ( خاتم ) على أنه اسم فاعل من ختم . وقرأ
عاصم بفتح التاء على تشبيهه بالخاتم الذي يختم به المكتوب في أن ظهوره كان غلقا للنبوة .
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=29004_28410مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتِمَ النَّبِيئِينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا " اسْتِئْنَافٌ لِلتَّصْرِيحِ بِإِبْطَالِ أَقْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَمَا يُلْقِيهِ
الْيَهُودُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الشَّكِّ .
وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ . وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ قَطْعُ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَدٌ مِنَ الرِّجَالِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ النُّبُوَّةِ حَتَّى لَا يَتَطَرَّقَ الْإِرْجَافُ وَالِاخْتِلَاقُ إِلَى مَنْ يَتَزَوَّجَهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ أَصْحَابِهِ مِثْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=41وَحَفْصَةَ .
وَ مِنْ رِجَالِكُمْ وَصْفٌ لِـ ( أَحَدٍ ) ، وَهُوَ احْتِرَاسٌ لِأَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَنَاتٍ . وَالْمَقْصُودُ : نَفْيُ أَنْ يَكُونَ أَبًا لِأَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ فِي حِينِ نُزُولِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ أَوْ وَلَدَانِ
بِمَكَّةَ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ وَهُمُ
الطَّيِّبُ ،
وَالطَّاهِرُ ( أَوْ هُمَا اسْمَانِ
[ ص: 44 ] لِوَاحِدٍ
وَالْقَاسِمُ ، وَوُلِدَ لَهُ
إِبْرَاهِيمُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ
مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ ، وَكُلُّهُمْ مَاتُوا صِبْيَانًا وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَوْجُودٌ حِينَ نُزُولِ الْآيَةِ .
وَالْمَنْفِيُّ هُوَ وَصْفُ الْأُبُوَّةِ الْمُبَاشِرَةِ لِأَنَّهَا الْغَرَضُ الَّذِي سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ وَالَّذِي وَهِمَ فِيهِ مَنْ وَهِمَ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى كَوْنِهِ جَدًّا
لِلْحَسَنِ ،
وَالْحُسَيْنِ ،
وَمُحْسِنٍ أَبْنَاءِ ابْنَتِهِ
فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ بِمَقْصُودٍ . وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدٍ نَفْيُ أُبُوَّتِهِ لَهُمْ بِمَعْنَى الْأُبُوَّةِ الْعُلْيَا ، أَوِ الْمُرَادُ أُبُوَّةُ الصُّلْبِ دُونَ أُبُوَّةِ الرَّحِمِ .
وَإِضَافَةُ رِجَالٍ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ وَالْعُدُولُ عَنْ تَعْرِيفِهِ بِاللَّامِ لِقَصْدِ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى الْخَائِضِينَ فِي قَضِيَّةِ تَزَوُّجِ
زَيْنَبَ إِخْرَاجًا لِلْكَلَامِ فِي صِيغَةِ التَّغْلِيطِ وَالتَّغْلِيظِ .
وَأَمَّا تَوْجِيهُهُ بِأَنَّهُ كَالِاحْتِرَازِ عَنْ أَحْفَادِهِ وَأَنَّهُ قَالَ مِنْ رِجَالِكُمْ وَأَمَّا الْأَحْفَادُ فَهُمْ مِنْ رِجَالِهِ فَفِيهِ سَمَاجَةٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ تَوْجِيهٌ بِأَنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيءٌ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ أَعْنِي الْمُنَافِقِينَ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الصِّلَةُ الشَّبِيهَةُ بِصِلَةِ الْأُبُوَّةِ الثَّابِتَةِ بِطَرِيقَةِ لَحْنِ الْخِطَابِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَاسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ لِرَفْعِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ نَفْيِ أُبُوَّتِهِ ، مِنِ انْفِصَالِ صِلَةِ التَّرَاحُمِ وَالْبِرِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمَّةِ فَذُكِّرُوا بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَالْأَبِ لِجَمِيعِ أُمَّتِهِ فِي شَفَقَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ ، وَفِي بِرِّهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ إِيَّاهُ ، شَأْنَ كُلِّ نَبِيٍّ مَعَ أُمَّتِهِ .
وَالْوَاوُ الدَّاخِلَةُ عَلَى ( لَكِنْ ) زَائِدَةٌ وَ ( لَكِنْ ) عَاطِفَةٌ وَلَمْ تَرِدْ ( لَكِنْ ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَاطِفَةً إِلَّا مُقْتَرِنَةٌ بِالْوَاوِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ . وَحَرْفُ ( لَكِنْ ) مُفِيدٌ الِاسْتِدْرَاكَ .
وَعَطْفُ صِفَةِ خَاتِمَ النَّبِيئِينَ عَلَى صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ تَكْمِيلٌ وَزِيَادَةٌ فِي التَّنْوِيهِ بِمَقَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ فِي انْتِفَاءِ أُبُوَّتهِ لِأَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ حِكْمَةً قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ إِرَادَةُ أَنْ لَا يَكُونَ إِلَّا مِثْلَ الرُّسُلِ أَوْ أَفْضَلَ فِي جَمِيعِ خَصَائِصِهِ .
وَإِذَا قَدْ كَانَ الرُّسُلُ لَمْ يَخْلُ عَمُودُ أَبْنَائِهِمْ مِنْ نَبِيءٍ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=25027_28747كَوْنُهُ خَاتَمَ النَّبِيئِينَ مُقْتَضِيًا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَبْنَاءٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً بَعْدَ وَفَاتِهِ وَلَمْ تُخْلَعْ
[ ص: 45 ] عَلَيْهِمْ خُلْعَةُ النُّبُوَّةِ لِأَجْلِ خَتْمِ النُّبُوَّةِ بِهِ ، كَانَ ذَلِكَ غَضًّا فِيهِ دُونَ سَائِرِ الرُّسُلِ وَذَلِكَ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ بِهِ . أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَرَادَ قَطْعَ النُّبُوءَةِ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ صَرَفَ
عِيسَى عَنِ التَّزَوُّجِ .
فَلَا تَجْعَلْ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40وَخَاتِمَ النَّبِيئِينَ دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الِاسْتِدْرَاكِ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّهُ تَكْمِيلٌ وَاسْتِطْرَادٌ بِمُنَاسَبَةِ إِجْرَاءِ وَصْفِ الرِّسَالَةِ عَلَيْهِ . وَبِبَيَانِ الْحِكْمَةِ يَظْهَرُ حُسْنُ مَوْقِعِ التَّذْيِيلِ بِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا إِذْ أَظْهَرَ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ فِيمَا قَدَّرَهُ مِنَ الْأَقْدَارِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
وَالْآيَةُ نَصٌّ فِي أَنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمَ النَّبِيئِينَ وَأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ فِي الْبَشَرِ لِأَنَّ النَّبِيئِينَ عَامٌّ ، فَخَاتَمُ النَّبِيئِينَ هُوَ خَاتَمُهُمْ فِي صِفَةِ النُّبُوءَةِ . وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى نَصِّيَّةِ الْآيَةِ أَنَّ الْعُمُومَ دِلَالَتُهُ عَلَى الْأَفْرَادِ ظَنِّيَّةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ مُخَصَّصٍ . وَقَدْ تَحَقَّقْنَا عَدَمَ الْمُخَصَّصِ بِالِاسْتِقْرَاءِ .
وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَعُرِفَ ذَلِكَ وَتَوَاتَرَ بَيْنَهُمْ وَفِي الْأَجْيَالِ مِنْ بَعْدِهِمْ وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَرَدَّدُوا فِي تَكْفِيرِ
مُسَيْلِمَةَ ،
وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ فَصَارَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَمَنْ أَنْكَرَهُ فَهُوَ كَافِرٌ خَارِجٌ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولُ اللَّهِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ . وَهَذَا النَّوْعُ فِي اخْتِلَافِ بَعْضِهِمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21616حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ إِذِ الْمُخْتَلِفُ فِي حُجِّيَّتِهِ هُوَ الْإِجْمَاعُ الْمُسْتَنِدُ لِنَظَرٍ وَأَدِلَّةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ بِخِلَافِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ فِي كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيِّ فِي خَاتِمَةِ كِتَابِ الِاقْتِصَادِ فِي الِاعْتِقَادِ مُخَالَفَةً لِهَذَا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ تَحْرِيرٍ . وَقَدْ حَمَلَ عَلَيْهِ
ابْنُ عَطِيَّةَ حَمْلَةً غَيْرَ مُنْصِفَةٍ وَأَلْزَمَهُ إِلْزَامًا فَاحِشًا يُنَزَّهُ عَنْهُ عِلْمُهُ وَدِينُهُ فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا .
وَلِذَلِكَ لَا يَتَرَدَّدُ مُسْلِمٌ فِي تَكْفِيرِ مَنْ يُثْبِتُ نُبُوءَةً لِأَحَدٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي إِخْرَاجِهِ مِنْ حَظِيرَةِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا تُعْرَفُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَقْدَمَتْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا
[ ص: 46 ] nindex.php?page=treesubj&link=28840_28830الْبَابِيَّةُ وَالْبَهَائِيَّةُ وَهُمَا نِحْلَتَانِ مُشْتَقَّةٌ ثَانِيَتُهُمَا مِنَ الْأُولَى . وَكَانَ ظُهُورُ الْفِرْقَةِ الْأُولَى فِي بِلَادِ فَارِسَ فِي حُدُودِ سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ ، وَتَسَرَّبَتْ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَكَانَ الْقَائِمُ بِهَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ شِيرَازٍ يَدْعُوهُ أَتْبَاعُهُ (
السَّيِّدَ عَلِي مُحَمَّد ) كَذَا اشْتُهِرَ اسْمُهُ ، كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّةِ . أَخَذَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُتَصَوِّفِينَ اسْمُهُ الشَّيْخُ
أَحْمَدُ زَيْنُ الدِّينِ الْأَحْسَائِيُّ الَّذِي كَانَ يَنْتَحِلُ التَّصَوُّفَ بِالطَّرِيقَةِ الْبَاطِنِيَّةِ ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُتَلَقَّاةُ عَنِ الْحَلَّاجِ . وَكَانَتْ طَرِيقَتُهُ تُعْرَفُ بِالشَّيْخِيَّةِ ، وَلَمَّا أَظْهَرَ نِحْلَتَهُ
عَلِيُّ مُحَمَّد هَذَا لَقَّبَ نَفْسَهُ بَابَ الْعِلْمِ فَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَابِ . وَعُرِفَتْ نِحْلَتُهُ بِالْبَابِيَّةِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ النُّبُوءَةَ ، وَزَعَمَ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ اسْمُهُ ( الْبَيَانُ ) وَأَنَّ الْقُرْآنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ .
وَكِتَابُ الْبَيَانِ مُؤَلَّفٌ بِالْعَرَبِيَّةِ الضَّعِيفَةِ وَمَخْلُوطٌ بِالْفَارِسِيَّةِ . وَقَدْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ سَنَةَ 1266 فِي تَبْرِيزَ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28830الْبَهَائِيَّةُ فَهِيَ شُعْبَةٌ مِنَ الْبَابِيَّةِ تُنْسَبُ إِلَى مُؤَسِّسِهَا الْمُلَقَّبِ
بِبَهَاءِ اللَّهِ ، وَاسْمُهُ مِيرْزَا حُسَيْن عَلَي مِنْ
أَهْلِ طَهْرَانَ ، تَتَلْمَذَ لِلْبَابِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَأَخْرَجَتْهُ حُكُومَةُ شَاهِ الْعَجَمِ إِلَى بَغْدَادٍ بَعْدَ قَتْلِ الْبَابِ . ثُمَّ نَقَلَتْهُ الدَّوْلَةُ الْعُثْمَانِيَّةُ مِنْ بَغْدَادٍ إِلَى أَدِرْنَةَ ثُمَّ إِلَى عَكَّا ، وَفِيهَا ظَهَرَتْ نِحْلَتُهُ ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ نُبُوءَةَ الْبَابِ ، وَقَدِ الْتَفَّ حَوْلَهُ أَصْحَابُ نِحْلَةِ الْبَابِيَّةِ وَجَعَلُوهُ خَلِيفَةَ الْبَابِ ، فَقَامَ اسْمُ الْبَهَائِيَّةِ مَقَامَ اسْمُ الْبَابِيَّةِ فَالْبَهَائِيَّةُ هُمُ الْبَابِيَّةُ . وَقَدْ كَانَ
الْبَهَاءُ بَنَى بِنَاءً فِي جَبَلِ الْكَرْمَلِ لِيَجْعَلَهُ مَدْفَنًا لِرُفَاتِ الْبَابِ ، وَآلَ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ سَجَنَتْهُ السَّلْطَنَةُ الْعُثْمَانِيَّةُ فِي سِجْنِ عَكَّا فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ سَبْعَ سَنَوَاتٍ ، وَلَمْ يُطْلَقْ مِنَ السِّجْنِ إِلَّا عِنْدَمَا أُعْلِنَ الدُّسْتُورُ التُّرْكِيُّ فَكَانَ فِي عِدَادِ الْمَسَاجِينِ السِّيَاسِيِّينَ الَّذِينَ أُطْلِقُوا يَوْمَئِذٍ ، فَرَحَلَ مُنْتَقِلًا فِي أُورُبَّا وأَمِيرِكَا مُدَّةَ عَامَيْنِ ثُمَّ عَادَ إِلَى حَيْفَا فَاسْتَقَرَّ بِهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 1340 ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ نَشَأَ شِقَاقٌ بَيْنَ أَبْنَائِهِ وَإِخْوَتِهِ فَتَفَرَّقُوا فِي الزِّعَامَةِ وَتَضَاءَلَتْ نِحْلَتُهُمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=28840_10018_10019فَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُتَّبِعًا لِلْبَهَائِيَّةِ أَوِ الْبَابِيَّةِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْإِسْلَامِ مُرْتَدٌّ عَنْ دِينِهِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ . وَلَا يَرِثُ مُسْلِمًا وَيَرِثُهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَنْفَعُهُمْ قَوْلُهُمْ : إِنَّا مُسْلِمُونَ وَلَا نُطْقُهُمْ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الرِّسَالَةَ
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا بِمَجِيءِ رَسُولٍ مِنْ بَعْدِهِ . وَنَحْنُ كَفَّرْنَا الْغُرَابِيَّةَ مِنَ الشِّيعَةِ
[ ص: 47 ] لِقَوْلِهِمْ : بِأَنَّ
جِبْرِيلَ أُرْسِلَ إِلَى
عَلِيٍّ وَلَكِنَّهُ شُبِّهَ لَهُ
مُحَمَّدٌ بِعَلِيٍّ إِذْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَشْبَهُ بِالْآخَرِ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ ( وَكَذَبُوا ) فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ إِلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَهُمْ أَثْبَتُوا الرِّسَالَةَ
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّهُمْ زَعَمُوهُ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .
وَتُشْبِهُ طُقُوسُ الْبَهَائِيَّةِ طُقُوسَ الْمَاسُونِيَّةِ إِلَّا أَنَّ الْبَهَائِيَّةَ تَنْتَسِبُ إِلَى التَّلَقِّي مِنَ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ ، فَبِذَلِكَ فَارَقَتِ الْمَاسُونِيَّةِ وَعُدَّتْ فِي الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ وَلَمْ تُعَدَّ فِي الْأَحْزَابِ .
وَانْتَصَبَ رَسُولَ اللَّهِ مَعْطُوفًا عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ عَطْفًا بِالْوَاوِ الْمُقْتَرِنَةِ بِـ ( لَكِنْ ) لِتُفِيدَ رَفْعَ النَّفْيِ الَّذِي دَخَلَ عَلَى عَامِلِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40وَخَاتِمَ النَّبِيئِينَ بِكَسْرِ تَاءِ ( خَاتِمَ ) عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ خَتَمَ . وَقَرَأَ
عَاصِمٌ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى تَشْبِيهِهِ بِالْخَاتَمِ الَّذِي يُخْتَمُ بِهِ الْمَكْتُوبُ فِي أَنَّ ظُهُوَرَهُ كَانَ غَلْقًا لِلنُّبُوَّةِ .