وقد قال - - عز من قائل - من بعد ذلك؛ في التعريف بالمؤمنين -:
nindex.php?page=treesubj&link=28633_29506_30179_30180_34148_28998nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=3الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ؛ ذكر للمؤمنين أمورا ثلاثة؛ هي: الصفة الأولى: أنهم يقيمون الصلاة؛ أي يؤدونها مستوفاة أركانها الحسية والروحية؛ والمصلي يستشعر عظمة الله (تعالى) وجلاله؛ ويحس أنه في حضرة الله (تعالى)؛ وذلك كله يتضمنه معنى الإقامة; لأن الإقامة إقامة الشيء مستويا مستقيما؛
[ ص: 5430 ] لا عوج فيه؛ ولا اضطراب؛ بل يتجه إلى أعلى اتجاها مستقيما؛ وفي ذكر إقامة الصلاة إشارة إلى المعاني الروحية في العبادات الإسلامية؛ من صلاة وصوم وحج؛ فهو - ابتداء - تطهير للنفوس من أدرانها؛ وإقامة للعلاقات الإنسانية على هذه الطهارة من أدران الأحقاد والأضغان.
والصفة الثانية: أنهم يؤتون الزكاة؛ وهي الفريضة المادية الروحية؛ والتي يقوم عليها التعاون الاجتماعي بين الغني والفقير؛ ولذا سميت الزكاة بـ " الماعون " ؛ أي: ما يكون به العون؛ كما قال (تعالى) - في وصف الضالين -:
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الذين هم عن صلاتهم ساهون nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الذين هم يراءون nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7ويمنعون الماعون
و " الماعون " ؛ هو الزكاة التي هي أساس للتعاون الإنساني.
والصفة الثالثة: وهي الأصل للأوليين؛ وهي الإيمان باليوم الآخر؛ فهو لب الدين؛ وهو توجيه الإنسان إلى حقيقة معناه؛ فقال - سبحانه -
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=3وهم بالآخرة هم يوقنون ؛ " بالآخرة " ؛ تتعلق بالفعل
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=3يوقنون ؛ أي: يؤمنون مذعنين غير مترددين; لأن العلم اليقيني يدفع الإنسان إلى عمل الخير؛ ولو كان تناله المشقة منه في الحياة؛ فإن ذلك يكون دافعا إلى الاستمرار مؤمنا بأن جزاءه يستقبله؛ وكلما زادت المشقة فيه؛ زاد الأجر؛ وما عند الله خير وأبقى.
ولقوة هذه الخصلة الكريمة للمؤمنين؛ وكونها لب الإيمان؛ أكد الله (تعالى) إيمان المؤمنين باليوم الآخر بعدة مؤكدات؛ أولها بتقديم الجار والمجرور؛ وثانيها بالجملة الاسمية؛ وذكر ضمير الفصل مرتين في صدر الجملة؛ وآخرها.
وَقَدْ قَالَ - - عَزَّ مِنْ قَائِلٍ - مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ؛ فِي التَّعْرِيفِ بِالْمُؤْمِنِينَ -:
nindex.php?page=treesubj&link=28633_29506_30179_30180_34148_28998nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=3الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ؛ ذَكَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ أُمُورًا ثَلَاثَةً؛ هِيَ: اَلصِّفَةُ الْأُولَى: أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ؛ أَيْ يُؤَدُّونَهَا مُسْتَوْفَاةً أَرْكَانُهَا الْحِسِّيَّةُ وَالرُّوحِيَّةُ؛ وَالْمُصَلِّي يَسْتَشْعِرُ عَظَمَةَ اللَّهِ (تَعَالَى) وَجَلَالَهُ؛ وَيُحِسُّ أَنَّهُ فِي حَضْرَةِ اللَّهِ (تَعَالَى)؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَضَمَّنُهُ مَعْنَى الْإِقَامَةِ; لِأَنَّ الْإِقَامَةَ إِقَامَةُ الشَّيْءِ مُسْتَوِيًا مُسْتَقِيمًا؛
[ ص: 5430 ] لَا عِوَجَ فِيهِ؛ وَلَا اضْطِرَابَ؛ بَلْ يَتَّجِهُ إِلَى أَعْلَى اتِّجَاهًا مُسْتَقِيمًا؛ وَفِي ذِكْرِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعَانِي الرُّوحِيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ؛ فَهُوَ - ابْتِدَاءً - تَطْهِيرٌ لِلنُّفُوسِ مِنْ أَدْرَانِهَا؛ وَإِقَامَةٌ لِلْعَلَاقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الطَّهَارَةِ مِنْ أَدْرَانِ الْأَحْقَادِ وَالْأَضْغَانِ.
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ؛ وَهِيَ الْفَرِيضَةُ الْمَادِّيَّةُ الرُّوحِيَّةُ؛ وَالَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا التَّعَاوُنُ الِاجْتِمَاعِيُّ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ؛ وَلِذَا سُمِّيَتِ الزَّكَاةُ بِـ " اَلْمَاعُونُ " ؛ أَيْ: مَا يَكُونُ بِهِ الْعَوْنُ؛ كَمَا قَالَ (تَعَالَى) - فِي وَصْفِ الضَّالِّينَ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
وَ " اَلْمَاعُونُ " ؛ هُوَ الزَّكَاةُ الَّتِي هِيَ أَسَاسٌ لِلتَّعَاوُنِ الْإِنْسَانِيِّ.
وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ الْأَصْلُ لِلْأُولَيَيْنِ؛ وَهِيَ الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ فَهُوَ لُبُّ الدِّينِ؛ وَهُوَ تَوْجِيهُ الْإِنْسَانِ إِلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ؛ فَقَالَ - سُبْحَانَهُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=3وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ؛ " بِالْآخِرَةِ " ؛ تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=3يُوقِنُونَ ؛ أَيْ: يُؤْمِنُونَ مُذْعِنِينَ غَيْرَ مُتَرَدِّدِينَ; لِأَنَّ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ يَدْفَعُ الْإِنْسَانَ إِلَى عَمَلِ الْخَيْرِ؛ وَلَوْ كَانَ تَنَالُهُ الْمَشَقَّةُ مِنْهُ فِي الْحَيَاةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ دَافِعًا إِلَى الِاسْتِمْرَارِ مُؤْمِنًا بِأَنَّ جَزَاءَهُ يَسْتَقْبِلُهُ؛ وَكُلَّمَا زَادَتِ الْمَشَقَّةُ فِيهِ؛ زَادَ الْأَجْرُ؛ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى.
وَلِقُوَّةِ هَذِهِ الْخَصْلَةِ الْكَرِيمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ وَكَوْنِهَا لُبَّ الْإِيمَانِ؛ أَكَّدَ اللَّهُ (تَعَالَى) إِيمَانَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ بِعِدَّةِ مُؤَكِّدَاتٍ؛ أَوَّلُهَا بِتَقْدِيمِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ؛ وَثَانِيهَا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ؛ وَذِكْرِ ضَمِيرِ الْفَصْلِ مَرَّتَيْنِ فِي صَدْرِ الْجُمْلَةِ؛ وَآخِرِهَا.