الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ثم أتبع سببا ( 89 ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ( 90 ) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( 91 ) )

يقول تعالى ذكره : ثم سار وسلك ذو القرنين طرقا ومنازل .

كما حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ثم أتبع سببا ) يعني منزلا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ثم أتبع سببا ) منازل الأرض ومعالمها ( حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا )

يقول تعالى ذكره : ووجد ذو القرنين الشمس تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ، وذلك أن أرضهم لا جبل فيها ولا شجر ، ولا تحتمل بناء فيسكنوا البيوت ، وإنما يغورون في المياه ، أو يسربون في الأسراب . . .

كما حدثني إبراهيم بن المستمر ، قال : ثنا سليمان بن داود وأبو داود ، [ ص: 100 ] قال : ثنا سهل بن أبي الصلت السراج ، عن الحسن ( تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) قال : كانت أرضا لا تحتمل البناء ، وكانوا إذا طلعت عليهم الشمس تغور في الماء ، فإذا غربت خرجوا يتراعون كما ترعى البهائم ، قال : ثم قال الحسن : هذا حديث سمرة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) ذكر لنا أنهم كانوا في مكان لا يستقر عليه البناء ، وإنما يكونون في أسراب لهم ، حتى إذا زالت عنهم الشمس خرجوا إلى معايشهم وحروثهم ، قال : ( كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ) .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله ( وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) قال : لم يبنوا فيها بناء قط ، ولم يبن عليهم فيها بناء قط ، وكانوا إذا طلعت عليهم الشمس دخلوا أسرابا لهم حتى تزول الشمس ، أو دخلوا البحر ، وذلك أن أرضهم ليس فيها جبل ، وجاءهم جيش مرة ، فقال لهم أهلها : لا تطلعن عليكم الشمس وأنتم بها ، فقالوا : لا نبرح حتى تطلع الشمس ، ما هذه العظام؟ قالوا : هذه جيف جيش طلعت عليهم الشمس هاهنا فماتوا ، قال : فذهبوا هاربين في الأرض .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : ( تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) قال : بلغنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليهم بناء ، فكانوا يدخلون في أسراب لهم إذا طلعت الشمس ، حتى تزول عنهم ، ثم يخرجون إلى معايشهم .

وقال آخرون : هم الزنج .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) قال : يقال : هم الزنج .

وأما قوله : ( كذلك ) فإن معناه : ثم أتبع سببا كذلك ، حتى إذا بلغ مطلع الشمس ; وكذلك : من صلة أتبع ، وإنما معنى الكلام : ثم أتبع سببا ، حتى بلغ [ ص: 101 ] مطلع الشمس ، كما أتبع سببا حتى بلغ مغربها .

وقوله ( وقد أحطنا بما لديه خبرا ) يقول : وقد أحطنا بما عند مطلع الشمس علما لا يخفى علينا ما هنالك من الخلق وأحوالهم وأسبابهم ، ولا من غيرهم شيء .

وبالذي قلنا في معنى الخبر ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( خبرا ) قال : علما .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ) قال : علما .

التالي السابق


الخدمات العلمية