الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير

                                                                                                                                                                                                                                      لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية ونحوهما من أسباب المصادقة والمعاشرة كما في قوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وقوله تعالى: لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء حتى لا يكون حبهم و لا بغضهم إلا لله تعالى أو عن الاستعانة بهم في الغزو وسائر الأمور الدينية. من دون المؤمنين في موضع الحال، أي: متجاوزين المؤمنين إليهم استقلالا أو اشتراكا، و فيه إشارة إلى أنهم الأحقاء بالموالاة وأن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يفعل ذلك أي: اتخاذهم أولياء، والتعبير عنه بالفعل للاختصار أو لإيهام الاستهجان بذكره. فليس من الله أي: من ولايته تعالى. في شيء يصح أن يطلق عليه اسم الولاية فإن موالاة المتعاديين مما لا يكاد يدخل تحت الوقوع، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      تود عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك ليس النوك عنك بعازب



                                                                                                                                                                                                                                      والجملة اعتراضية. وقوله تعالى: إلا أن تتقوا على صيغة الخطاب بطريق الالتفات استثناء مفرغ من أعم الأحوال، والعامل فعل النهي معتبرا فيه الخطاب، كأنه قيل: لا تتخذوهم أولياء ظاهرا أو باطنا في حال من الأحوال إلا حال اتقائكم. منهم أي: من جهتهم. تقاة أي: اتقاء أو شيئا يجب اتقاؤه، على أن المصدر واقع موقع المفعول، فإنه يجوز إظهار الموالاة حينئذ مع اطمئنان النفس بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع من قشر العصا وإظهار ما في الضمير، كما قال عيسى عليه السلام: "كن وسطا و امش جانبا"، وأصل "تقاة": وقية، ثم أبدلت الواو تاء كتخمة وتهمة وقلبت الياء ألفا وقرئ تقية. ويحذركم الله نفسه أي: ذاته المقدسة، فإن جواز إطلاق لفظ النفس مرادا به الذات عليه سبحانه بلا مشاكلة مما لا كلام فيه عند المتقدمين، وقد صرح بعض محققي المتأخرين بعدم الجواز وإن أريد به الذات إلا مشاكلة وفيه من التهديد ما لا يخفى عظمه، وذكر النفس للإيذان بأن له عقابا هائلا لا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة. وإلى الله المصير تذييل مقرر لمضمون ما قبله ومحقق لوقوعه حتما.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية