الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4 ] فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين

                                                                                                                                                                                                                                      فالتقطه آل فرعون فصيحة مفصحة عن عطفه على جملة مترتبة على ما قبلها من الأمر بالإلقاء. قد حذفت تعويلا على دلالة الحال، وإيذانا بكمال سرعة الامتثال، أي: فألقته في اليم بعدما جعلته في التابوت حسبما أمرت فالتقطه آل فرعون، أي: أخذوه اعتناء به، وصيانة له عن الضياع. قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: كان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها، وكانت من أكرم الناس إليه، وكان بها برص شديد عجزت الأطباء عن علاجه. فقالوا: لا تبرأ إلا من قبل البحر يؤخذ منه شبه الإنس يوم كذا، وساعة كذا من شهر كذا، حين تشرق الشمس، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ. فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون في مجلس له على شفير النيل، ومعه امرأته آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف الصديق عليه السلام، وقيل: كانت من بني إسرائيل من سبط موسى عليه الصلاة والسلام، وقيل: كانت عمته حكاه السهيلي، وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل فإذا بتابوت في النيل تضربه الأمواج، فتعلق بشجرة، فقال فرعون : ائتوني به. فابتدروا بالسفن فأحضروه بين يديه فعالجوا فتحه فلم يقدروا عليه، وقصدوا كسره فأعياهم، فنظرت آسية فرأت نورا في جوف التابوت لم يره غيرها فعالجته ففتحته، فإذا هي بصبي صغير في مهده، وإذا نور بين عينيه، وهو يمص إبهامه لبنا. فألقى الله تعالى محبته في قلوب القوم، وعمدت ابنة فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرأت من ساعتها، وقيل: لما نظرت إلى وجهه برأت، فقالت الغواة من قوم فرعون : إنا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه رمي في البحر فرقا منك، فاعتله. فهم فرعون بقتله فاستوهبته آسية، فتركه كما سيأتي. واللام في قوله تعالى: ليكون لهم عدوا وحزنا لام العاقبة أبرز مدخولها في معرض العلة لالتقاطهم تشبيها له في الترتب عليه بالغرض الحامل عليه، وقرئ: (حزنا) وهما لغتان كالسقم والسقم جعل عليه الصلاة والسلام نفس الحزن إيذانا بقوة سببيته لحزنهم. إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين أي: في كل ما يأتون، وما يذرون فلا غرو في أن قتلوا الأجلة ألوفا، ثم أخذوه يربونه ليكبر، ويفعل بهم ما كانوا يحذرون. روي أنه ذبح في طلبه عليه الصلاة والسلام تسعون ألف وليد، أو كانوا مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربي عدوهم على أيديهم. فالجملة اعتراضية لتأكيد خطئهم، أو لبيان الموجب لما ابتلوا به، وقرئ: (خاطين) على أنه تخفيف خاطئين، أو على أنه بمعنى متعدين الصواب إلى الخطأ.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية