الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجيبا لناصحيه إنما أوتيته على علم عندي كأنه يريد به الرد على قولهم: كما أحسن الله إليك ; لإنبائه عن أنه تعالى أنعم عليه بتلك الأموال والذخائر من غير سبب، واستحقاق من قبله، أي: فضلت به على الناس، واستوجبت به التفوق عليهم بالمال والجاه، وعلى علم في موقع الحال، وهو علم التوراة، وكان أعلمهم بها، وقيل: علم الكيمياء، وقيل: علم النجارة والدهقنة، وسائر المكاسب، وقيل: علم فتح الكنوز والدفائن. و "عندي" صفة له، أو متعلق بأوتيته، كقولك: جاز هذا عندي، أو في ظني ورأيي. أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا توبيخ له من جهة الله تعالى على اغتراره بقوته، وكثرة ماله، مع علمه بذلك قراءة في التوراة، وتلقيا من موسى عليه السلام، وسماعا من حفاظ التواريخ، وتعجب منه. فالمعنى: ألم يقرأ التوراة، ولم يعلم ما فعل الله تعالى بأضرابه من أهل القرون السابقة، حتى لا يغتر بما اغتروا به؟ أورد لادعائه العلم، وتعظمه به بنفي هذا العلم منه. فالمعنى: أعلم ما ادعاه، ولم يعلم هذا حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين. ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون سؤال استعلام بل يعذبون بها بغتة كأن قارون لما هدد بذكر إهلاك من قبله ممن كان أقوى منه، وأغنى. أكد ذلك بأن بين أن ذلك لم يكن مما يخص أولئك المهلكين، بل الله تعالى مطلع على ذنوب كافة المجرمين يعاقبهم عليها لا محالة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية