الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا

                                                                                                                                                                                                                                      إذ جاءوكم بدل من: «إذ جاءتكم». من فوقكم من أعلى الوادي من جهة المشرق، وهم بنو غطفان ومن تابعهم من أهل نجد. قائدهم عيينة بن حصن، وعامر بن الطفيل في هوازن، وضامتهم اليهود من قريظة والنضير. ومن أسفل منكم أي: من أسفل الوادي من قبل المغرب، وهم قريش ومن شايعهم من الأحابيش وبني كنانة وأهل تهامة، وقائدهم أبو سفيان، وكانوا عشرة آلاف. وإذ زاغت الأبصار عطف على ما قبله داخل معه في حكم التذكير، أي: حين مالت عن سننها، وانحرفت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا، وقيل: عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها لشدة الروع. وبلغت القلوب الحناجر لأن الرئة تنتفخ من شدة الفزع فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة، وهي منتهى الحلقوم. وقيل: هو مثل في اضطراب القلوب ووجيبها، وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة. والخطاب في قوله تعالى: وتظنون بالله الظنونا لمن يظهر الإيمان على الإطلاق، أي: تظنون بالله تعالى أنواع الظنون المختلفة، حيث ظن المخلصون الثبت القلوب أن الله تعالى ينجز وعده في إعلاء دينه، كما يعرب عنه ما سيحكى عنهم من قولهم: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ... الآية. [ ص: 94 ] أو يمتحنهم فخافوا الزلل، وضعف الاحتمال، والضعاف القلوب، والمنافقون ما حكي عنهم مما لا خير فيه. والجملة معطوفة على "زاغت". وصيغة المضارع لاستحضار الصورة والدلالة على الاستمرار، وقرئ: (الظنون) بغير ألف، وهو القياس، وزيادتها لمراعاة الفواصل، كما تزاد في القوافي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية