الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أثبت سبحانه لنفسه ولذاته الأقدس من الملك في السماوات والأرض وغيرهما ما رأيت، واستدل عليه من الأدلة التي لا يمكن التصويب إليها بطعن بما سمعت، وكان المقصود الأعظم التوحيد فإنه أصل ينبني عليه كل خير قال: قل أي [يا] أعلم الخلق! بإقامة الأدلة لهؤلاء الذين أشركوا ما لا يشك في حقارته من له أدنى مسكة: ادعوا الذين زعمتم أي أنهم آلهة كما تدعون الله لا سيما في وقت الشدائد، وحذف مفعولي "زعم" وهما ضميرهم وتألههم تنبيها على استهجان ذلك واستبشاعه، وليس المذكور في الآية مفعولا ولا قائما [ ص: 493 ] مقام المفعول لفساد المعنى; وبين حقارتهم بقوله: من دون الله أي الذي حاز جميع العظمة لشيء مما أثبته سبحانه لنفسه فليفعلوا شيئا مثله أو يبطلوا شيئا مما فعله سبحانه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان جوابهم في ذلك السكوت عجزا وحيرة، تولى سبحانه الجواب عنهم، إشارة إلى أن جواب كل من له تأمل لا وقفة فيه بقوله، معبرا عنهم بعبارة من له علم بإقامتهم في ذلك المقام، أو لأن بعض من ادعيت إلهيته ممن له علم: لا يملكون أي الآن ولا يتجدد لهم شيء من ذلك أصلا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المراد المبالغة في الحقارة بما تعرف العرب قال: مثقال ذرة ولما أريد العموم عبر بقوله: في السماوات وأكد فقال: ولا في الأرض لأن السماء ما علا، والأرض ما سفل، والسماوات في العرش، والأرض في السماء، فاستغرق ذلك النفي عنهما وعن كل ما فيهما من ذات ومعنى إلى العرش، وهو ذو العرش العظيم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا ظاهرا في نفي الملك الخالص عن شوب المشاركة، نفى المشاركة أيضا بقوله مؤكدا تكذيبا لهم فيما يدعونه: وما لهم فيهما أي السماوات والأرض ولا فيما فيهما، وأعرق في النفي فقال: [ ص: 494 ] من شرك [أي] في خلق ولا ملك ولا ملك، وأكد النفي بإثبات الجار. ولما كان مما في السماوات والأرض نفوس هذه الأصنام وقد انتفى ملكهم لشيء من أنفسهم أو ما أسكن فيها سبحانه من قوة أو منفعة، فانتفى أن يقدروا على إعانة غيرهم، وكان للتصريح مزيد روعة للنفوس وهزة للقلوب وقطع للأطماع، حتى لا يكون هناك متشبث قوي ولا واه قال: وما له أي الله منهم وأكد النفي بإثبات الجار فقال: من ظهير أي معين على شيء مما يريده، فكيف يصح مع هذا العجز الكلي أن يدعوا كما يدعى ويرجوا كما يرجى ويعبدوا كما يعبد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية