الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سدف ]

                                                          سدف : السدف ، بالتحريك : ظلمة الليل ; وأنشد ابن بري لحميد الأرقط :


                                                          وسدف الخيط البهيم ساتره



                                                          وقيل : هو بعد الجنح ; قال :


                                                          ولقد رأيتك بالقوادم مرة     وعلي من سدف العشي رياح



                                                          والجمع أسداف ; قال أبو كبير :


                                                          يرتدن ساهرة كأن جميمها     وعميمها أسداف ليل مظلم



                                                          والسدفة والسدفة : كالسدف وقد أسدف ; قال العجاج :


                                                          أدفعها بالراح كي تزحلفا     وأقطع الليل إذا ما أسدفا



                                                          أبو زيد : السدفة في لغة بني تميم الظلمة . قال : والسدفة في لغة قيس الضوء ، وحكى الجوهري عن الأصمعي : السدفة والسدفة في لغة نجد الظلمة . وفي لغة غيرهم الضوء ، وهو من الأضداد . وقال في قوله :


                                                          وأقطع الليل إذا ما أسدفا



                                                          أي أظلم ، أي أقطع الليل بالسير فيه ; قال ابن بري : ومثله للخطفي جد جرير :


                                                          يرفعن بالليل ، إذا ما أسدفا     أعناق جنان وهاما رجفا



                                                          والسدفة والسدفة : طائفة من الليل . والسدفة : الضوء . وقيل : اختلاط الضوء والظلمة جميعا كوقت ما بين صلاة الفجر إلى أول الإسفار . وقال عمارة : السدفة ظلمة فيها ضوء من أول الليل وآخره ، ما بين الظلمة إلى الشفق ، وما بين الفجر إلى الصلاة . قال الأزهري : والصحيح ما قال عمارة . اللحياني : أتيته بسدفة من الليل سدفة وشدفة ، وهو السدف .

                                                          وقال أبو عبيدة : أسدف الليل وأزدف وأشدف إذا أرخى ستوره وأظلم ، قال : والإسداف من الأضداد ، يقال : أسدف لنا أي أضيء لنا . وقال أبو عمرو : إذا كان الرجل قائما بالباب قلت له أسدف أي تنح عن الباب حتى يضيء البيت . الجوهري : أسدف الصبح أي أضاء . يقال : أسدف الباب أي افتحه حتى يضيء البيت ، وفي لغة هوازن أسدفوا أي أسرجوا من السراج ؛ الفراء : السدف والشدف الظلمة ، والسدف أيضا الصبح وإقباله ; وأنشد الفراء لسعد القرقرة ، قال المفضل : وسعد القرقرة رجل من أهل هجر وكان النعمان يضحك منه ؛ فدعا النعمان بفرسه اليحموم وقال لسعد القرقرة : اركبه واطلب عليه الوحش ؛ فقال سعد : إذا والله أصرع فأبى النعمان إلا أن يركبه فلما ركبه سعد نظر إلى بعض ولده قال : وابأبي وجوه اليتامى ! ثم قال :


                                                          نحن ، بغرس الودي ، أعلمنا     منا بركض الجياد في السدف



                                                          والودي : صغار النخل ، وقوله : أعلمنا منا جمع بين إضافة أفعل وبين من ، وهما لا يجتمعان كما لا تجتمع الألف واللام ومن في قولك : زيد الأفضل من عمرو ، وإنما يجيء هذا في الشعر على أن تجعل من بمعنى في ، كقول الأعشى :


                                                          ولست بالأكثر منهم حصى



                                                          أي ولست بالأكثر فيهم ، وكذا أعلمنا منا أي فينا ; وفي حديث وفد تميم :


                                                          ونطعم الناس ، عند القحط ، كلهم     من السديف ، إذا لم يؤنس القزع



                                                          السديف : لحم السنام ، والقزع : السحاب أي نطعم الشحم في المحل ; وأنشد الفراء أيضا :


                                                          بيض جعاد كأن أعينهم     يكحلها ، في الملاحم ، السدف



                                                          يقول : سواد أعينهم في الملاحم باق ؛ لأنهم أنجاد لا تبرق أعينهم من الفزع فيغيب سوادها . وأسدف القوم : دخلوا في السدفة . وليل أسدف مظلم ; أنشد يعقوب :


                                                          فلما عوى الذئب مستعقرا     أنسنا به ، والدجى أسدف



                                                          وشرح هذا البيت مذكور في موضعه ، والسدف : الليل ; قال الشاعر :


                                                          نزور العدو ، على نأيه     بأرعن كالسدف المظلم ;



                                                          وأنشد ابن بري للهذلي :


                                                          وماء وردت على خيفة     وقد جنه السدف المظلم



                                                          وقول مليح :


                                                          وذو هيدب يمري الغمام بمسدف     من البرق فيه حنتم متبعج



                                                          مسدف هنا : يكون المضيء والمظلم وهو من الأضداد . وفي حديث علقمة الثقفي كان بلال يأتينا بالسحور ونحن مسدفون فيكشف القبة فيسدف لنا طعامنا ; والسدفة تقع على الضياء والظلمة ، والمراد به في هذا الحديث الإضاءة فمعني مسدفون داخلون في السدفة يسدف لنا أي يضيء ، والمراد بالحديث المبالغة في تأخير السحور . وفي حديث أبي هريرة : فصل الفجر إلى السدف أي إلى بياض النهار . وفي حديث علي : وكشفت عنهم سدف الريب أي ظلمها . وأسدفوا : أسرجوا هوزنية أي لغة هوازن . والسدفة : الباب . قالت امرأة من قيس تهجو زوجها :


                                                          لا يرتدي مرادي الحرير [ ص: 155 ]     ولا يرى بسدفة الأمير



                                                          وأسدفت المرأة القناع أي أرسلته . ويقال : أسدف الستر أي ارفعه حتى يضيء البيت . وفي حديث أم سلمة أنها قالت لعائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة : تركت عهيدى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ووجهت سدافته ; أرادت بالسدافة الحجاب والستر وتوجيهها كشفها . ويقال : سدفت الحجاب أي أرخيته ، وحجاب مسدوف ; قال الأعشى :


                                                          بحجاب من بيننا مسدوف



                                                          قالت لها : بعين الله مهواك وعلى رسوله تردين قد وجهت سدافته ، أي هتكت الستر أي أخذت وجهها ، ويجوز أنها أرادت بقولها سدافته أي أزلتها من مكانها الذي أمرت أن تلزميه وجعلتها أمامك . والسدوف والشدوف : الشخوص تراها من بعد . أبو عمرو : أسدف وأزدف إذا نام . ويقال : وجه فلان سدافته إذا تركها وخرج منها ، وقيل للستر : سدافة لأنه يسدف أي يرخى عليه . والسديف السنام المقطع ، وقيل : شحمه ، ومنه قول طرفة :


                                                          ويسعى علينا بالسديف المسرهد



                                                          وفي الصحاح : السديف السنام ; ومنه قول المخبل السعدي :


                                                          إذا ما الخصيف العوبثاني ساءنا     تركناه واخترنا السديف المسرهدا



                                                          وجمع سديف سدائف وسداف أيضا ; قال سحيم عبد بني الحسحاس :


                                                          قد أعقر الناب ذات التلي     ل حتى أحاول منها السديفا



                                                          وقال ابن سيده : يحتمل أن يكون جمع سدفة وأن يكون لغة فيه . وسدفه : قطعه . قال الفرزدق :


                                                          وكل قرى الأضياف نقري من القنا     ومعتبط فيه السنام المسدف



                                                          وسديف وسديف : اسمان .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية