الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين ( 85 ) )

يقول تعالى ذكره : إن الذي أنزل عليك يا محمد القرآن .

كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : ( إن الذي فرض عليك القرآن ) قال : الذي أعطاك القرآن . [ ص: 639 ]

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( إن الذي فرض عليك القرآن ) قال : الذي أعطاكه .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( لرادك إلى معاد ) فقال بعضهم : معناه : لمصيرك إلى الجنة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : ثنا عتاب بن بشر ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( لرادك إلى معاد ) قال : إلى معدنك من الجنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إلى الجنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن إبراهيم بن حبان ، سمعت أبا جعفر ، عن ابن عباس ، عن أبي سعيد الخدري ( لرادك إلى معاد ) قال : معاده آخرته الجنة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك ، في ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) قال : إلى الجنة ليسألك عن القرآن .

حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي صالح ، قال : الجنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي صالح : ( لرادك إلى معاد ) قال : إلى الجنة .

حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك ، قال يردك إلى الجنة ، ثم يسألك عن القرآن .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد ، قالا إلى الجنة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة وعطاء ومجاهد وأبي قزعة والحسن ، قالوا : يوم القيامة .

قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( لرادك إلى معاد ) قال : يجيء بك يوم القيامة . [ ص: 640 ]

قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن والزهري ، قالا : معاده يوم القيامة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( لرادك إلى معاد ) قال : يجيء بك يوم القيامة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عون ، عن الحسن ، في قوله : ( لرادك إلى معاد ) قال : معادك من الآخرة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( لرادك إلى معاد ) قال : كان الحسن يقول : إي والله ، إن له لمعادا يبعثه الله يوم القيامة ، ويدخله الجنة .

وقال آخرون : معنى ذلك : لرادك إلى الموت .

ذكر من قال ذلك :

حدثني إسحاق بن وهب الواسطي ، قال : ثنا محمد بن عبد الله الزبيري ، قال : ثنا سفيان بن سعيد الثوري ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( لرادك إلى معاد ) قال : الموت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن السدي ، عن رجل ، عن ابن عباس ، قال : إلى الموت .

قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن سعيد : ( لرادك إلى معاد ) قال : إلى الموت .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السدي عمن سمع ابن عباس ، قال إلى الموت .

حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، قال : إلى الموت .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( لرادك إلى معاد ) قال : الموت .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عدي بن [ ص: 641 ] ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قالا إلى الموت ، أو إلى مكة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لرادك إلى الموضع الذي خرجت منه ، وهو مكة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يعلى بن عبيد ، عن سفيان العصفري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( لرادك إلى معاد ) قال : إلى مكة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( لرادك إلى معاد ) قال : يقول : لرادك إلى مكة ، كما أخرجك منها .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، قال : أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، قال : مولده بمكة .

حدثنا ابن وكيع ، قال ثنا أبي عن يونس بن أبي إسحاق ، قال : سمعت مجاهدا يقول : ( لرادك إلى معاد ) قال : إلى مولدك بمكة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا يونس بن عمرو ، وهو ابن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، في قوله : ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) قال : إلى مولدك بمكة .

حدثني الحسين بن علي الصدائي ، قال : ثنا أبي ، عن الفضيل بن مرزوق ، عن مجاهد أبي الحجاج ، في قوله : ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) قال : إلى مولده بمكة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني عيسى بن يونس ، عن أبيه ، عن مجاهد قال : إلى مولدك بمكة .

والصواب من القول في ذلك عندي : قول من قال : لرادك إلى عادتك من الموت ، أو إلى عادتك حيث ولدت ، وذلك أن المعاد في هذا الموضع : المفعل من العادة ، ليس من العود ، إلا أن يوجه موجه تأويل قوله : ( لرادك ) لمصيرك ، فيتوجه حينئذ قوله : ( إلى معاد ) إلى معنى العود ، ويكون تأويله : إن الذي فرض عليك القرآن لمصيرك إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك .

فإن قال قائل : فهذه الوجوه التي وصفت في ذلك قد فهمناها ، فما وجه تأويل من تأوله بمعنى : لرادك إلى الجنة ؟ قيل : ينبغي أن يكون وجه تأويله ذلك كذلك على [ ص: 642 ] هذا الوجه الآخر ، وهو لمصيرك إلى أن تعود إلى الجنة .

فإن قال قائل : أوكان أخرج من الجنة ؟ ، فيقال له : نحن نعيدك إليها ؟ قيل : لذلك وجهان : أحدهما : أنه إن كان أبوه آدم صلى الله عليهما أخرج منها ، فكأن ولده بإخراج الله إياه منها ، قد أخرجوا منها ، فمن دخلها فكأنما يرد إليها بعد الخروج . والثاني أن يقال : إنه كان صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة أسري به ، كما روي عنه أنه قال : " دخلت الجنة ، فرأيت فيها قصرا ، فقلت : لمن هذا ؟ فقالوا : لعمر بن الخطاب " ، ونحو ذلك من الأخبار التي رويت عنه بذلك ، ثم رد إلى الأرض ، فيقال له : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك لمصيرك إلى الموضع الذي خرجت منه من الجنة ، إلى أن تعود إليه ، فذلك إن شاء الله قول من قال ذلك .

وقوله : ( قل ربي أعلم من جاء بالهدى ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : ربي أعلم من جاء بالهدى الذي من سلكه نجا ، ومن هو في جور عن قصد السبيل منا ومنكم . وقوله : ( مبين ) ; يعني أنه يبين للمفكر الفهم إذا تأمله وتدبره ، أنه ضلال وجور عن الهدى .

التالي السابق


الخدمات العلمية