الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقال إني ذاهب إلى ربي إلى حيث أمرني أو حيث أتجرد فيه لعبادته - عز وجل - جعل الذهاب إلى المكان الذي أمره ربه تعالى بالذهاب إليه ذهابا إليه وكذا الذهاب إلى مكان يعبده تعالى فيه، لا أن الكلام بتقدير مضاف، والمراد بذلك المكان الشام، وقيل: مصر، وكأن المراد إظهار اليأس من إيمانهم وكراهة البقاء معهم، أي: إني مفارقكم ومهاجر منكم إلى ربي سيهدين إلى ما فيه صلاح ديني، أو إلى مقصدي.

                                                                                                                                                                                                                                      والسين لتأكيد الوقوع في المستقبل لأنها في مقابلة "لن" المؤكد للنفي كما ذكره سيبويه ، وبت - عليه السلام - القول لسبق وعده تعالى إياه بالهداية لما أمره سبحانه بالذهاب أو لفرط توكله - عليه السلام - أو للبناء على عادته تعالى معه، [ ص: 127 ] وإنما لم يقل موسى - عليه السلام - مثل ذلك بل قال: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل بصيغة التوقع قيل: لعدم سبق وعد وعدم تقدم عادة، واقتضاء مقامه رعاية الأدب معه تعالى بأن لا يقطع عليه سبحانه بأمر قبل وقوعه، وتقديمه على رعاية فرط التوكل ومقامات الأنبياء متفاوتة وكلها عالية، وقيل لأن موسى - عليه السلام - قال ما قال قبل البعثة، وإبراهيم - عليه السلام - قال ذلك بعدها، وقيل لأن إبراهيم كان بصدد أمر ديني فناسبه الجزم، وموسى كان بصدد أمر دنيوي فناسبه عدم الجزم، ومن الغريب ما قيل ونحا إليه قتادة أنه لم يكن مراد إبراهيم - عليه السلام - بقوله: إني... إلخ الهجرة، وإنما أراد بذلك لقاء الله تعالى بعد الإحراق ظانا أنه يموت في النار إذا ألقي فيها، وأراد بقوله سيهدين الهداية إلى الجنة، ويدفع هذا القول دعاؤه بالوالد حيث قال: رب هب لي من الصالحين بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة، والتقدير: ولدا من الصالحين وحذف لدلالة الهبة عليه؛ فإنها في القرآن وكلام العرب غالب استعمالها مع العقلاء في الأولاد، وقوله تعالى ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا من غير الغالب، أو المراد فيه هبة نبوته لا هبة ذاته وهو شيء آخر، ولقوله تعالى فبشرناه بغلام حليم فإنه ظاهر في أن ما بشر به عين ما استوهبه، مع أن مثله إنما يقال عرفا في حق الأولاد، ولقد جمع بهذا القول بشارات أنه ذكر؛ لاختصاص الغلام به، وأنه يبلغ، أو أن البلوغ بالسن المعروف فإنه لازم لوصفه بالحليم؛ لأنه لازم لذلك السن بحسب العادة، إذ قلما يوجد في الصبيان سعة صدر وحسن صبر، وذلك إغضاء في كل أمر، وجوز أن يكون ذلك مفهوما من قوله تعالى (غلام) فإنه قد يختص بما بعد البلوغ وإن كان ورد عاما وعليه العرف كما ذكره الفقهاء، وأنه يكون حليما وأي حلم مثل حلمه، عرض عليه أبوه وهو مراهق الذبح فقال ستجدني إن شاء الله من الصابرين فما ظنك به بعد بلوغه، وقيل ما نعت الله تعالى نبيا بالحلم - لعزه وجوده - غير إبراهيم وابنه عليهما السلام، وحالهما المذكورة فيما بعد تدل على ما ذكر فيهما.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية