قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن بطل صومه ، لأن النية شرط في جميعه ، فإذا قطعها في أثنائه بقي الباقي بغير نية فبطل ، وإذا بطل البعض بطل الجميع ، لأنه لم ينفرد بعضه عن بعض ، ومن أصحابنا من قال : لا يبطل ; لأنه عبادة تتعلق الكفارة بجنسها ، فلم تبطل بنية الخروج كالحج ، والأول أظهر ، لأن الحج لا يخرج منه بما يفسده ، والصوم يخرج منه بما يفسده فكان كالصلاة ) . دخل في الصوم ونوى الخروج منه
- نوت الحائض صوم الغد قبل انقطاع دم حيضها ثم انقطع في الليل
- تسحر ليقوى على الصوم هل تجزئ عن النية
- عقب النية بقوله إن شاء الله بقلبه أو بلسانه
- نسي نية الصوم في رمضان حتى مطلع الفجر
- نوى وشك هل كانت نيته قبل الفجر أو بعده
- نوى في رمضان صوم كفارة أو نذر أو قضاء أو تطوع أو أطلق نية الصوم
- نوى في الليل ثم قطع النية قبل الفجر
- نوى صوم القضاء والكفارة بعد الفجر
- علم أن عليه صوما واجبا لا يدري ما هو فنوى صوما واجبا
- قال أصوم غدا إن شاء زيد أو نشطت
- شك في نهار رمضان هل نوى من الليل ثم تذكر أنه نوى
- كان عليه قضاء اليوم الأول من رمضان فصام ونوى قضاء اليوم الثاني
- نوى يوم الثلاثين من شعبان أو الثلاثين من رمضان صوم الغد
التالي
السابق
( الشرح ) قوله وتتعلق الكفارة بجنسها احتراز من الصلاة ( وقوله ) يخرج من الصوم بما يفسده ولا يخرج من الحج بما يفسده معناه أنه إذا أبطل الصوم بالأكل أو غيره صار خارجا منه ، فلو جامع بعده في هذا اليوم لا كفارة عليه ، وإن كان آثما بهذا الجماع لأنه كان [ ص: 313 ] يجب عليه إمساك بقية النهار ، ولكن وجوب الإمساك لحرمة اليوم ، والكفارة إنما تجب على ، وهذا لم يفسد بجماعه صوما . من أفسد الصوم بالجماع
( وأما ) لم يخرج منه بالإفساد ، بل حكم إحرامه باق وإن كان عليه القضاء ، فلو قتل بعد صيدا أو تطيب أو لبس أو فعل غير ذلك من محظورات الإحرام لزمته الفدية ، لكونه لم يخرج منه ، بل هو محرم كما كان فهذا مراد الحج فإذا أفسد بالجماع المصنف بالفرق بينهما ، وهما مفترقان في الخروج وعدمه ، ومتفقان في وجوب المضي في فاسدهما ، ( وأما حكم المسألة ) فإذا ، فهل يبطل ؟ فيه وجهان مشهوران ذكر دخل في صوم ثم نوى قطعه المصنف دليلهما ( أصحهما ) عند المصنف والبغوي وآخرين بطلانه ( وأصحهما ) عند الأكثرين : لا يبطل ، وقد سبق بيانه في أوائل باب صفة الصلاة ، وذكرنا هناك ما يبطل بنية الخروج ، وما لا يبطل ، وما اختلفوا فيه ، وسبق أيضا في باب نية الوضوء ، هذا إذا جزم بنية الخروج في الحال فلو تردد في الخروج منه أو علق الخروج على دخول زيد مثلا ، فالمذهب - وبه قطع الأكثرون - لا يبطل وجها واحدا ، ( والثاني ) على الوجهين فيمن جزم بالخروج ، فإن قلنا في التعليق : إنه لا يبطل فدخل زيد في أثناء النهار هل يبطل ؟ فيه وجهان ( الصحيح ) لا يبطل حكاهما جماعة منهم البغوي في باب صفة الصلاة ، وجزم الماوردي بأنه لو نوى أنه سيفطر بعد ساعة لم يبطل صومه ، ومتى نوى الخروج من الصوم بأكل أو جماع ونحوهما وقلنا : إنه يبطل ، فالمشهور بطلانه في الحال ، وحكى الماوردي وجهين ( أحدهما ) هذا ( والثاني ) لا يبطل حتى يمضي زمان إمكان الأكل والجماع وهذا غريب ضعيف ، والله أعلم .
ولو ، قال كان صائما عن نذر فنوى قلبه إلى كفارة أو عكسه إمام الحرمين والمتولي والأصحاب : لا يحصل له الذي انتقل إليه بلا [ ص: 314 ] خلاف ، وأما الذي كان فيه ، فإن قلنا : إن نية الخروج لا تبطله بقي على ما كان ولا أثر لما جرى ، وإن قلنا : تبطله ، فهل يبطل ؟ أم ينقلب نفلا ؟ فيه خلاف كما سبق في نظائره ، فيمن نوى قلب صلاة الظهر عصرا وشبهه . وقد سبق إيضاح هذا وأشباهه في أول صفة الصلاة ، قال المتولي وغيره : وهذا الوجه في انقلابه نفلا هو فيما إذا كان في غير رمضان ، وإلا فرمضان لا يقع فيه نفل أصلا كما سنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .
( وأما ) لم يخرج منه بالإفساد ، بل حكم إحرامه باق وإن كان عليه القضاء ، فلو قتل بعد صيدا أو تطيب أو لبس أو فعل غير ذلك من محظورات الإحرام لزمته الفدية ، لكونه لم يخرج منه ، بل هو محرم كما كان فهذا مراد الحج فإذا أفسد بالجماع المصنف بالفرق بينهما ، وهما مفترقان في الخروج وعدمه ، ومتفقان في وجوب المضي في فاسدهما ، ( وأما حكم المسألة ) فإذا ، فهل يبطل ؟ فيه وجهان مشهوران ذكر دخل في صوم ثم نوى قطعه المصنف دليلهما ( أصحهما ) عند المصنف والبغوي وآخرين بطلانه ( وأصحهما ) عند الأكثرين : لا يبطل ، وقد سبق بيانه في أوائل باب صفة الصلاة ، وذكرنا هناك ما يبطل بنية الخروج ، وما لا يبطل ، وما اختلفوا فيه ، وسبق أيضا في باب نية الوضوء ، هذا إذا جزم بنية الخروج في الحال فلو تردد في الخروج منه أو علق الخروج على دخول زيد مثلا ، فالمذهب - وبه قطع الأكثرون - لا يبطل وجها واحدا ، ( والثاني ) على الوجهين فيمن جزم بالخروج ، فإن قلنا في التعليق : إنه لا يبطل فدخل زيد في أثناء النهار هل يبطل ؟ فيه وجهان ( الصحيح ) لا يبطل حكاهما جماعة منهم البغوي في باب صفة الصلاة ، وجزم الماوردي بأنه لو نوى أنه سيفطر بعد ساعة لم يبطل صومه ، ومتى نوى الخروج من الصوم بأكل أو جماع ونحوهما وقلنا : إنه يبطل ، فالمشهور بطلانه في الحال ، وحكى الماوردي وجهين ( أحدهما ) هذا ( والثاني ) لا يبطل حتى يمضي زمان إمكان الأكل والجماع وهذا غريب ضعيف ، والله أعلم .
ولو ، قال كان صائما عن نذر فنوى قلبه إلى كفارة أو عكسه إمام الحرمين والمتولي والأصحاب : لا يحصل له الذي انتقل إليه بلا [ ص: 314 ] خلاف ، وأما الذي كان فيه ، فإن قلنا : إن نية الخروج لا تبطله بقي على ما كان ولا أثر لما جرى ، وإن قلنا : تبطله ، فهل يبطل ؟ أم ينقلب نفلا ؟ فيه خلاف كما سبق في نظائره ، فيمن نوى قلب صلاة الظهر عصرا وشبهه . وقد سبق إيضاح هذا وأشباهه في أول صفة الصلاة ، قال المتولي وغيره : وهذا الوجه في انقلابه نفلا هو فيما إذا كان في غير رمضان ، وإلا فرمضان لا يقع فيه نفل أصلا كما سنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .
فرع في مسائل تتعلق بنية الصوم : ( إحداها ) إذا ، قال نوت الحائض صوم الغد قبل انقطاع دم حيضها ثم انقطع في الليل المتولي والبغوي وآخرون من أصحابنا : إن كانت مبتدأة يتم لها في الليل أكثر الحيض ، أو معتادة عادتها أكثر الحيض ، وهي تتم في الليل صح صومها بلا خلاف ، لأنا نقطع بأن نهارها كله طهر ، وإن كانت عادتها دون أكثره ويتم بالليل فوجهان ( أصحهما ) تصح نيتها وصومها ; لأن الظاهر استمرار عادتها ، فقد بنت نيتها على أصل ، وإن لم يكن لها عادة أو كانت ولا يتم أكثر الحيض في الليل ، أو كانت لها عادات مختلفة لم يصح ، لأنها لم تجزم ولا بنت على أصل ولا أمارة ، .
( الثانية ) قال المتولي : لو لم يكن هذا نية ; لأنه لم يوجد قصد الشروع في العبادة ، وقال تسحر ليقوى على الصوم أو عزم في أول الليل أن يتسحر في آخره ليقوى على الصوم الرافعي : قال في العدة : لو قال في الليل : أتسحر لأقوى على الصوم ، لم يكف هذا في النية ، قال : ونقل بعضهم عن نوادر الأحكام القاضي أبو المكارم لأبي العباس الروياني أنه لو قال : أتسحر للصوم أو أشرب لدفع العطش نهارا أو امتنع من الأكل والشرب والجماع مخافة الفجر كان ذلك نية للصوم ، قال الرافعي : وهذا هو الحق إن خطر بباله الصوم بالصفات المعتبرة ، لأنه إذا تسحر ليصوم صوم كذا فقد قصده ، .
[ ص: 315 ] ( الثالثة ) لو عقب النية بقوله : إن شاء الله بقلبه أو بلسانه ، فإن قصد التبرك أو وقوع الصوم وبقاء الحياة إلى تمامه بمشيئة الله تعالى لم يضره ، وإن قصد تعليقه والشك لم يصح صومه هذا هو المذهب ، وبه قطع المحققون منهم المتولي والرافعي وقال الماوردي : إن ، لم يصح صومه وإن شاء زيد ، لأنه لم يجزم النية ، وإن قال : إن شاء الله تعالى فوجهان ( الصحيح ) لا يصح صومه كقوله : إن شاء زيد ; لأنه استثناء وشأنه أن يوقع ما نطق به ( والثاني ) يصح صومه هذا كلام قال : أصوم غدا إن شاء زيد الماوردي ، وجمع صاحب البيان كلام الأصحاب في المسألة فقال : لو ، فثلاثة أوجه : ( أحدها ) وهو قول قال : أصوم غدا إن شاء الله تعالى يصح ، لأن الأمور بمشيئة الله تعالى . القاضي أبو الطيب
( والثاني ) لا يصح ، وهو قول لأن الاستثناء يبطل حكم ما اتصل به . الصيمري
( والثالث ) وهو قول ابن الصباغ : إن قصد الشك في فعله لم يصح ، وإن قصد أن ذلك موقوف على مشيئة الله وتوفيقه وتمكينه صح ، وهذا هو الصحيح وهو التفصيل السابق ، .
( والثاني ) لا يصح ، وهو قول لأن الاستثناء يبطل حكم ما اتصل به . الصيمري
( والثالث ) وهو قول ابن الصباغ : إن قصد الشك في فعله لم يصح ، وإن قصد أن ذلك موقوف على مشيئة الله وتوفيقه وتمكينه صح ، وهذا هو الصحيح وهو التفصيل السابق ، .
( الرابعة ) إذا لم يصح صومه بلا خلاف عندنا ، لأن شرط النية الليل ، ويلزمه إمساك النهار ، ويجب قضاؤه ; لأنه لم يصمه ، ويستحب أن ينوي في أول نهاره الصوم عن رمضان ، لأن ذلك يجزئ عند نسي نية الصوم في رمضان حتى مطلع الفجر فيحتاط بالنية . أبي حنيفة
( الخامسة ) إذا ؟ فقد قطع نوى وشك ، هل كانت نيته قبل الفجر أو بعده وصاحبه الصيمري الماوردي وصاحب البيان بأنه لا يصح صومه ; لأن الأصل عدم النية ، ويحتمل أن يجيء فيه وجه ، لأن الأصل بقاء الليل ، كمن شك هل أدرك ركوع الإمام أم لا ؟ فإن في حصول الركعة له خلافا سبق في موضعه ، الأصح أنها لا تحصل ، ولو ؟ أجزأه وصح صومه بلا خلاف ، صرح به صاحب البيان ، قال هو نوى ثم شك هل طلع الفجر أم لا : ولو أصبح شاكا في أنه نوى أم لا ؟ لم يصح صومه . والصيمري
( السادسة ) قال والأصحاب رحمهم الله تعالى : يتعين رمضان لصوم رمضان ، فلا يصح فيه غيره ، فلو الشافعي لم تصح نيته ، ولا يصح صومه ، لا عما نواه ، ولا عن رمضان ، هكذا نص عليه وقطع به الأصحاب في الطرق إلا نوى فيه الحاضر [ ص: 316 ] أو المسافر أو المريض صوم كفارة أو نذر أو قضاء أو تطوع أو أطلق نية الصوم إمام الحرمين ، فقال : لو ، قال الجماهير : لا يصح . وقال أصبح في يوم من رمضان غير ناو ، فنوى التطوع قبل الزوال : يصح ، قال أبو إسحاق المروزي الإمام : فعلى قياسه يجوز للمسافر التطوع به والمذهب ما سبق ، واحتج له المتولي أن التشبه بالصائمين واجب عليه ، فلا ينعقد جنس تلك العبادة مع قيام فرض التشبه ، كما لو أفسد الحج ثم أراد أن يحرم إحراما آخر صحيحا لم ينعقد ; لأنه يلزم المضي في فاسده ، والله أعلم .
( السابعة ) قال المتولي في آخر المسألة السادسة من مسائل النية : لو سقط حكمها ; لأن ترك النية ضد للنية بخلاف ما لو أكل بعد النية لا تبطل ، لأن الأكل ليس ضدها . نوى في الليل ثم قطع النية قبل الفجر
( الثامنة ) قال المتولي : لو ، فإن كان في رمضان لم ينعقد له صوم أصلا ، لأن رمضان لا يقبل غيره كما سبق ، ولم ينو رمضان من الليل ، وإن كان في غير رمضان لم ينعقد القضاء والكفارة ; لأن شرطهما نية الليل ، وهل ينعقد نفلا ؟ فيه وجهان بناء على القولين فيمن نوى الظهر قبل الزوال ، وقد سبقت المسألة مع نظائرها في أول صفة الصلاة . نوى صوم القضاء والكفارة بعد الفجر
( التاسعة ) قال وصاحب البيان حكاية عنه : لو الصيمري أجزأه ، كمن نسي صلاة من الخمس لا يعرف عينها ، فإنه يصلي الخمس ويجزئه عما عليه ويعذر في عدم جزم النية للضرورة . علم أن عليه صوما واجبا لا يدري هل هو من رمضان ؟ أو نذر أو كفارة ، فنوى صوما واجبا
( العاشرة ) قال وصاحب البيان حكاية عنه : لو الصيمري لم تصح لعدم الجزم ، وإن قال : [ ص: 317 ] ما كنت صحيحا مقيما أجزأه ، لأنه يجوز له الفطر لو مرض أو سافر قبل الفجر . قال : أصوم غدا إن شاء زيد أو نشطت
( الحادية عشرة ) لو ، صح صومه بلا خلاف ، صرح به شك في نهار رمضان ، هل نوى من الليل ؟ ثم تذكر بعد مضي أكثر النهار أنه نوى في الفتاوى القاضي حسين والبغوي وآخرون ، وقاسه البغوي على ما لو شك المصلي في النية ثم تذكر قبل إحداث ركن .
( الثانية عشرة ) إذا ، ففي إجزائه وجهان مشهوران ، حكاهما كان عليه قضاء اليوم الأول من رمضان فصام ونوى قضاء اليوم الثاني البغوي وآخرون ، وجزم المتولي بأنه لا يجزئ ، قال : وكذا لو لا يجزئه ، كما لو كان عليه كفارة قتل قتل فأعتق بنية كفارة ظهار لا يجزئه ، وإن كان لو أطلق النية عن واجبه في الموضعين أجزأه ، وقد ذكر كان عليه قضاء يوم من رمضان سنة فنوى قضاءه من صوم [ أيام ] أخرى غلطا المصنف هذه المسألة في آخر هذا الباب ، لكنه ذكر الوجهين احتمالين له ، فكأنه لم ير النقل فيها .
( الثالثة عشرة ) في مسائل جمعها الدارمي هنا مما يتعلق بالنية على شك ، وذكر المسائل السابقة قريبا إذا فحكمه ما سبق ، قال : ولو كان نوى يوم الثلاثين من شعبان أو الثلاثين من رمضان صوم الغد لم يجزئه ، ولو متطهرا وشك في الحدث فتوضأ وقال : إن كنت محدثا فهذا لرفعه وإلا فتبرد فقال ذلك أجزأه عملا بالأصل في المسألتين ، ولو تيقن الحدث وشك في الطهارة لم يجزئه ، وإن كان شك في دخول وقت صلاة فنوى إن كانت دخلت فعنها وإلا فنافلة أجزأه ، ولو قال : نويتها إن كانت أو نافلة لم يجزئه إن كانت كما سبق نظيره في الصوم . ولو عليه صلاة وشك في أدائها فقال : أصلي عنها إن كانت وإلا فنافلة فكانت ، أو قال : وإلا فهي نافلة لم يجزئه في الحالين ، لأن الأصل عدم الكسب ، ولو أخرج دراهم ونوى : هذه زكاة مالي إن كنت كسبت نصابا أو نافلة كان حجا صحيحا ، ولو أحرم في يوم الثلاثين من رمضان وهو شاك فقال : إن كان من رمضان فإحرامي بعمرة ، [ ص: 318 ] وإن كان من شوال فهو حج ، فكان من شوال ففي صحة الجمعة وجهان ، والله أعلم . أحرم بالصلاة في آخر وقت الجمعة فقال : إن كان وقت الجمعة باقيا فجمعة وإلا فظهر ، فبان بقاؤه
فرع في . مذهبنا أنه لا يصح صوم إلا بنية ، سواء الصوم الواجب من رمضان وغيره والتطوع ، وبه قال العلماء كافة إلا مذاهب العلماء في نية الصوم عطاء ومجاهدا فإنهم قالوا : إن كان الصوم متعينا بأن يكون صحيحا مقيما في شهر رمضان فلا يفتقر إلى نية ، قال وزفر الماوردي : فأما صوم النذر والكفارة فيشترط له النية بإجماع المسلمين ، واحتج وموافقيه بأن رمضان مستحق الصوم يمنع غيره من الوقوع فيه فلم يفتقر إلى نية ، واحتج أصحابنا بحديث { لعطاء } وبحديث إنما الأعمال بالنيات حفصة السابق ، وقياسا على الصلاة والحج ، ولأن الصوم هو الإمساك لغة وشرعا ، ولا يتميز الشرعي عن اللغوي إلا بالنية فوجب التمييز .
( والجواب ) عما ذكروه أنه منتقض بالصلاة إذا لم يبق من وقتها إلا قدر الفرض فإن هذا الزمان مستحق لفعلها ، ويمنع من إيقاع غيرها فيه ، وتجب فيها النية بالإجماع ، وقد يجيبون عن هذا بأن ذلك الزمان وإن كان لا يجوز فيه صلاة أخرى لكن لو فعلت انعقدت ، وقد ينازع في انعقادها ; لأنها محرمة ، وقد سبق أن الصلاة التي لا سبب لها لو فعلت في وقت النهي لا تنعقد على الأصح ، والله تعالى أعلم .
( والجواب ) عما ذكروه أنه منتقض بالصلاة إذا لم يبق من وقتها إلا قدر الفرض فإن هذا الزمان مستحق لفعلها ، ويمنع من إيقاع غيرها فيه ، وتجب فيها النية بالإجماع ، وقد يجيبون عن هذا بأن ذلك الزمان وإن كان لا يجوز فيه صلاة أخرى لكن لو فعلت انعقدت ، وقد ينازع في انعقادها ; لأنها محرمة ، وقد سبق أن الصلاة التي لا سبب لها لو فعلت في وقت النهي لا تنعقد على الأصح ، والله تعالى أعلم .
فرع في ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يصح إلا بالنية من الليل ، وبه قال مذاهبهم في نية صوم رمضان مالك وأحمد وإسحاق وجماهير العلماء من السلف والخلف ، وقال [ ص: 319 ] وداود : يصح بنية قبل الزوال قال : وكذا النذر المعين ووافقنا على صوم القضاء والكفارة أنهما لا يصحان إلا بنية من الليل ، واحتج له بالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم { أبو حنيفة العوالي وهي القرى التي حول المدينة أن يصوموا يومهم ذلك } قالوا : وكان صوم عاشوراء واجبا - ثم نسخ - وقياسا على صوم النفل ، واحتج أصحابنا بحديث بعث يوم عاشوراء إلى أهل حفصة وحديث رضي الله عنهما { عائشة } وهما صحيحان سبق بيانهما ، وبالقياس على صوم الكفارة والقضاء ، وأجاب أصحابنا عن حديث عاشوراء بجوابين ( أحدهما ) أنه لم يكن واجبا وإنما كان تطوعا متأكدا شديد التأكيد . وهذا هو الصحيح عند أصحابنا ( والثاني ) أنه لو سلمنا أنه كان فرضا فكان ابتداء فرضه عليهم من حين بلغهم ولم يخاطبوا بما قبله كأهل لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل قباء في استقبال الكعبة فإن استقبالها بلغهم في أثناء الصلاة فاستداروا وهم فيها من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة وأجزأتهم صلاتهم ، حيث لم يبلغهم الحكم إلا حينئذ ، وإن كان الحكم باستقبال الكعبة قد سبق قبل هذا في حق غيرهم ، ويصير هذا كمن أصبح بلا نية ثم نذر في أثناء النهار صوم ذلك اليوم ، وأجاب الماوردي بجواب ثالث وهو أنه لو كان عاشوراء واجبا فقد نسخ بإجماع العلماء ، وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب ، وإذا نسخ حكم شيء لم يجز أن يلحق به غيره ، وأما الجواب عن قياسهم على التطوع فالفرق ظاهر ، لأن التطوع مبني على التخفيف ولأنه ثبت الحديث الصحيح فيه وثبت حديث حفصة رضي الله عنهما فوجب الجمع بين ذلك كله ، وهو حاصل بما ذكرناه أن حديث التبييت في الصوم الواجب وغيره في صوم التطوع ، والله أعلم . وعائشة
فرع في مذهبنا أن كل يوم يفتقر إلى نية ، سواء نية صوم رمضان والقضاء والكفارة والنذر والتطوع ، وبه قال مذاهبهم في النية لكل يوم من كل صوم أبو حنيفة وإسحاق [ ص: 320 ] بن راهويه وداود والجمهور ، وقال وابن المنذر : إذا نوى في أول ليلة من رمضان صوم جميعه كفاه لجميعه ، ولا يحتاج إلى النية لكل يوم ، وعن مالك أحمد وإسحاق روايتان ( أصحهما ) كمذهبنا ( والثانية ) ، واحتج كمالك بأنه عبادة واحدة فكفته نية واحدة ، كالحج وركعات الصلاة ، واحتج أصحابنا بأن كل يوم عبادة مستقلة لا يرتبط بعضه ببعض ولا يفسد بفساد بعض ، بخلاف الحج وركعات الصلاة . لمالك
فرع في مذهبنا أن صوم رمضان وغيره من الصوم الواجب لا يصح إلا بتعيين النية ، وفي اشتراط نية الفريضة وجهان ( أصحهما ) لا يشترط ، وبه قال مذاهبهم في تعيين النية ( والثاني ) يشترط ، قال أبو علي بن أبي هريرة ، وبوجوب التعيين قال أبو إسحاق المروزي مالك وأحمد وإسحاق والجمهور ، وأوجب هؤلاء الأربعة نية الفريضة ، وقال وداود : لا يجب أبو حنيفة ، فلو نوى فيه صوما واجبا أو صوما مطلقا أو تطوعا وقع عن رمضان إن كان مقيما ، وكذا صوم النذر المتعين في زمان معين قال : فلو كان مسافرا ونوى فرضا آخر وقع عن ذلك الفرض ، وإن نوى تطوعا فهل يقع تطوعا كما نوى ؟ أم يقع عن رمضان ؟ فيه روايتان ، واحتج تعيين النية في صوم رمضان بالقياس على الحج ، واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم : { أبو حنيفة } وبالقياس على صوم القضاء ، وأجابوا عن الحج بأن مبناه على التوسعة ، ولهذا لا يخرج منه بالإفساد ويصح تعليقه على إحرام كإحرام غيره ، والله أعلم . وإنما لكل امرئ ما نوى
[ ص: 321 ] فرع في قال مذاهبهم فيمن أصبح في رمضان بلا نية ثم جامع قبل الزوال الشافعي وأبو حنيفة ومالك والجمهور : لا كفارة عليه لكن يأثم ، وقال وأحمد : عليه كفارة ، قال : ولو جامع بعد الزوال فلا كفارة والأكل عنده كالجماع في هذا ، قال : لأن صومه قبل الزوال مراعى ، حتى لو نواه صح عنده فإذا أكل أو جامع فقد أسقط المراعاة ، فكأنه أفسد الصوم بخلاف ما بعد الزوال فإنه لا يصح نية رمضان فيه بالإجماع ، ودليلنا أن الكفارة تجب لإفساد الصوم بالجماع ، وهذا ليس بصائم . أبو يوسف
فرع في مذاهبهم في ذكرنا أن مذهبنا صحته بنية قبل الزوال ، وبه قال نية صوم التطوع علي بن أبي طالب وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وطلحة وأبو أيوب الأنصاري وابن عباس وأبو حنيفة وآخرون ، وقال وأحمد ابن عمر التابعي وأبو الشعثاء جابر بن زيد ومالك وزفر لا يصح إلا بنية من الليل ، وبه قال وداود المزني وأبو يحيى البلخي من أصحابنا ، ونقل عن ابن المنذر أنه استثنى من يسرد الصوم فصحح نيته في النهار ، واحتج لهم بعموم حديثي مالك عائشة وحفصة { } ، واحتج أصحابنا بحديث لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل رضي الله عنها قالت : { عائشة } رواه دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : هل عندكم شيء ؟ قلنا : لا ، قال : فإني إذن صائم . وفي رواية قال : { مسلم } رواه إذن أصوم ، وقال : هذا إسناد صحيح والجواب عن حديث تبييت النية أنه عام فنخصه بما ذكرناه جمعا بين الأحاديث وروى البيهقي الشافعي بالإسناد الصحيح عن والبيهقي رضي الله عنه أنه بدا له الصوم بعد ما زالت الشمس فصام ، والله أعلم . حذيفة