الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم منقطعة وتقدر ببل، والهمزة، والهمزة لإنكار التسوية بين الفريقين، ونفيها على أبلغ وجه وآكده، وبل للإضراب الانتقالي من تقرير أمر البعث والحساب بما مر من نفي خلق العالم باطلا إلى تقريره وتحقيقه بإنكار التسوية بين الفريقين، أي بل أنجعل المؤمنين المصلحين كالكفرة المفسدين في الأرض التي جعلت مقرا لهم كما يقتضيه عدم البعث، وما يترتب عليه من الجزاء لاستواء الفريقين في التمتع في الحياة الدنيا بل أكثر الكفرة أوفر حظا منها من أكثر المؤمنين، لكن ذلك الجعل محال مخالف للحكمة، فتعين البعث والجزاء حتما لرفع الأولين إلى أعلى عليين، ورد الآخرين إلى أسفل سافلين كذا قالوا، وظاهره أن محالية جعل الفريقين سواء حكمة تقتضي تعين المعاد الجسماني، وفيه خفاء، والظاهر أن المعاد الروحاني يكفي لمقتضى الحكمة من إثابة الأولين، وتعذيب الآخرين، فالدليل العقلي الذي تشير إليه الآية ظاهر في إثبات معاد، لكن بعد إبطال التناسخ وهو كاف في الرد على كفرة [ ص: 189 ] العرب ، فإنهم لا يقولون بمعاد بالكلية، ولم يخطر ببالهم التناسخ أصلا، ولإثبات المعاد الجسماني طريق آخر مشهور بين المتكلمين، وجعل هذا الدليل العقلي طريقا لإثباته يحتاج إلى تأمل، فتأمل، وقوله تعالى: أم نجعل المتقين كالفجار إضراب وانتقال عن إثبات ما ذكر بلزوم المحال الذي هو التسوية بين الفريقين المذكورين على الإطلاق إلى إثباته بلزوم ما هو أظهر منه استحالة، وهي التسوية بين أتقياء المؤمنين، وأشقياء الكفرة، وحمل الفجار على فجرة المؤمنين مما لا يساعده المقام، ويجوز أن يراد بهذين الفريقين عين الأولين، ويكون التكرير باعتبار وصفين آخرين هما أدخل في إنكار التسوية من الوصفين الأولين، وأيا ما كان، فليس المراد من الجمعين في الموضعين أناسا بأعيانهم، ولذا قال ابن عباس : الآية عامة في جميع المسلمين والكافرين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي في قوم مخصوصين من مشركي قريش قالوا للمؤمنين: إنا نعطى في الآخرة من الخير ما لا تعطون، فنزلت، وأنت تعلم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أخرجها ابن عساكر أنه قال: الذين آمنوا علي، وحمزة ، وعبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنهم، والمفسدين في الأرض عتبة، والوليد بن عتبة، وشيبة ، وهم الذين تبارزوا يوم بدر ، ولعله أراد أنهم سبب النزول،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية