الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين

                                                                                                                                                                                                                                      أفمن شرح الله صدره للإسلام . . . إلخ . استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من تخصيص الذكرى بأولي الألباب . وشرح الصدر للإسلام : عبارة عن تكميل الاستعداد له، فإنه محل للقلب الذي هو منبع للروح التي تتعلق بها النفس القابلة للإسلام فانشراحه مستدع لاتساع القلب واستضاءته بنوره . فإنه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : "إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح . فقيل : فما علامة ذلك ؟ قال صلى الله عليه وسلم : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزوله" . والكلام في الهمزة والفاء كالذي مر في قوله تعالى : أفمن حق عليه كلمة العذاب وخبر "من" محذوف لدلالة ما بعده عليه، والتقدير : أكل الناس سواء فمن شرح الله صدره، أي : خلقه متسع الصدر مستعدا للإسلام فبقي على الفطرة الأصلية، ولم يتغير بالعوارض المكتسبة القادحة فيها . فهو بموجب ذلك مستقر على نور عظيم من ربه وهو اللطف الإلهي الفائض عليه عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية، والتوفيق للاهتداء بها إلى الحق كمن قسا قلبه، وحرج صدره بسبب تبديل فطرة الله بسوء اختباره، واستولى عليه ظلمات الغي والضلالة، فأعرض عن تلك الآيات بالكلية حتى لا يتذكر بها ولا يغتنمها . فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أي : من أجل ذكره الذي حقه أن تنشرح له الصدور، وتطمئن به القلوب، أي : إذا ذكر الله تعالى عندهم، أو آياته اشمأزوا من أجله، وازدادت قلوبهم قساوة، كقوله تعالى : فزادتهم رجسا وقرئ : ( عن ذكر الله ) أي : عن قبوله . أولئك البعداء الموصوفون بما ذكر من قساوة القلوب . في ضلال بعد عن الحق مبين ظاهر كونه ضلالا لكل أحد قيل نزلت الآية في حمزة وعلي رضي الله عنهما وأبي لهب وولده، وقيل : في عمار بن [ ص: 251 ] ياسر رضي الله عنه وأبي جهل وذويه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية