الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب رفع الصوت بالأذان

                                                                                                                                            495 - ( عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المؤذن يغفر له مد صوته ، ويشهد له كل رطب ويابس } رواه الخمسة إلا الترمذي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان ، وفي إسناده أبو يحيى الراوي له عن أبي هريرة قال ابن القطان : لا يعرف ، وادعى ابن حبان في الصحيح أن اسمه سمعان ، ورواه البيهقي من وجهين آخرين عن الأعمش ، قال تارة عن أبي صالح ، وتارة عن مجاهد عن أبي هريرة قال الدارقطني : الأشبه أنه عن مجاهد مرسل وفي العلل لابن أبي حاتم سئل أبو زرعة عن حديث منصور فقال فيه عن عطاء رجل من أهل المدينة ووقفه . ورواه أبو أسامة عن الحارث بن الحكم عن أبي هبيرة يحيى بن عباد عن شيخ من الأنصار ، فقال : الصحيح حديث منصور ورواه أحمد والنسائي من حديث البراء بن عازب بلفظ : { المؤذن يغفر له مد صوته ، ويصدقه من يسمعه من رطب ويابس ، وله مثل أجر من صلى معه } وصححه ابن السكن ورواه أحمد والبيهقي من حديث مجاهد عن ابن عمر ، وفي الباب عن أنس عند ابن عدي وعن أبي سعيد عند الدارقطني في العلل . وعن جابر عند الخطيب في الموضح وغير ذلك . والحديث يدل على استحباب مد الصوت في الأذان لكونه سببا للمغفرة وشهادة الموجودات ولأنه أمر بالمجيء إلى الصلاة فكل ما كان أدعى لإسماع المأمورين بذلك كان أولى { ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة ارجع فارفع صوتك } وهذا أمر برفع الصوت ، قيل : هو تمثيل بمعنى أنه لو كان بين المكان الذي يؤذن فيه والمكان الذي يبلغه صوته ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها الله له

                                                                                                                                            [ ص: 54 ] 496 - ( وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة { أن أبا سعيد الخدري قال له : إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا يشهد له يوم القيامة } ، قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه ) . الحديث أخرجه أيضا الشافعي ومالك في الموطأ وغيرهما قوله : ( تحب الغنم والبادية ) أي لأجل الغنم لأن فيها ما يحتاج في إصلاحها إليه من الرعي ، وهو في الغالب لا يكون إلا بالبادية

                                                                                                                                            قوله : ( في غنمك أو في باديتك ) يحتمل أن يكون أو شكا من الراوي ، ويحتمل أن يكون للتنويع لأن الغنم قد لا تكون في البادية ولأنه قد يكون في البادية حيث لا غنم

                                                                                                                                            قوله : ( فارفع صوتك ) فيه دليل لمن قال باستحباب الأذان للمنفرد وهو الراجح عند الشافعية

                                                                                                                                            قوله : ( مدى صوت المؤذن ) أي غاية صوته

                                                                                                                                            قوله : ( جن ولا إنس ولا شيء ) ظاهره يشمل الحيوانات والجمادات فهو من العام بعد الخاص . والحديث الأول يبين معنى الشيء المذكور هنا ; لأن الرطب واليابس لا يخرج عن الاتصاف بأحدهما شيء من الموجودات .

                                                                                                                                            وفي رواية لابن خزيمة " لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس " وبهذا يظهر أن التخصيص بالملائكة كما قال القرطبي أو بالحيوان كما قال غيره غير ظاهر وغير ممتنع عقلا ولا شرعا أن يخلق الله في الجمادات القدرة على السماع والشهادة ، ومثله قوله تعالى: { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } وفي صحيح مسلم { إني لأعرف حجرا كان يسلم علي } ومنه ما ثبت في البخاري وغيره من قول النار : { أكل بعضي بعضا } قال الزين بن المنير : والسر في هذه الشهادة مع أنها تقع عند عالم الغيب والشهادة إلا أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجه الدعوى ، والجواب والشهادة

                                                                                                                                            وقيل : المراد بهذه الشهادة إشهار المشهود له بالفضل وعلو الدرجة ، كما أن الله يفضح بالشهادة قوما كذلك يكرم بالشهادة آخرين . وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان ، وقد تقدم تعليل ذلك وفيه أن حب الغنم والبادية لا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية