الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 55 ] باب المؤذن يجعل أصبعيه في أذنيه ويلوي عنقه عند الحيعلة ولا يستدير

                                                                                                                                            497 - ( عن أبي جحيفة قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم قال : فخرج بلال بوضوئه فمن ناضح ونائل قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه قال : فتوضأ وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه هاهنا وها هنا يقول يمينا وشمالا : حي على الصلاة حي على الفلاح قال ثم ركزت له عنزة فتقدم فصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع ، وفي رواية : تمر من ورائها المرأة والحمار ثم صلى العصر ثم لم يزل يصلي حتى رجع إلى المدينة } متفق عليه ولأبي داود : { رأيت بلالا خرج إلى الأبطح فأذن فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر ، وفي رواية : رأيت بلالا يؤذن ويدور وأتتبع فاه هاهنا وها هنا وأصبعاه في أذنيه قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له حمراء أراها من أدم قال : فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بريق ساقيه } . رواه أحمد والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه النسائي بزيادة " فجعل يقول في أذانه هكذا ينحرف يمينا وشمالا " وابن ماجه بزيادة " رأيته يدور في أذانه " لكن في إسناده الحجاج بن أرطاة ورواه الحاكم بزيادة ألفاظ ، وقال : قد أخرجاه إلا أنهما لم يذكرا فيه إدخال الأصبعين في الأذنين والاستدارة ، وهو صحيح على شرطهما ، ورواه ابن خزيمة بلفظ " رأيت بلالا يؤذن يتبع بفيه ، يميل رأسه يمينا وشمالا " ورواه من طريق أخرى بزيادة " ووضع الأصبعين في الأذنين " وكذا رواه أبو عوانة في صحيحه وأبو نعيم في مستخرجه بزيادة " رأى أبو جحيفة بلالا يؤذن ويدور وأصبعاه في أذنيه " وكذا رواه البزار وقال البيهقي : الاستدارة لم ترد من طريق صحيحة لأن مدارها على سفيان الثوري وهو لم يسمعه من عون بن أبي جحيفة إنما سمعه عن رجل عنه ، والرجل يتوهم أنه الحجاج ، والحجاج غير محتج به ، قال : وهم عبد الرزاق في إدراجه ، وقد وردت الاستدارة من وجه آخر أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان من طريق حماد وهشيم جميعا عن عون الطبراني من طريق إدريس الأودي عنه وفي الإفراد للدارقطني عن بلال { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذنا وأقمنا أن لا نزيل أقدامنا عن مواضعها } وإسناده ضعيف

                                                                                                                                            قوله : ( فمن ناضح ونائل ) الناضح : الآخذ من الماء [ ص: 56 ] لجسده تبركا ببقية وضوئه صلى الله عليه وسلم والنائل : الآخذ من ماء في جسد صاحبه لفراغ الماء لقصد التبرك . وقيل : إن بعضهم كان ينال ما لا يفضل منه شيء ، وبعضهم كان ينال منه ما ينضحه على غيره وفي رواية في الصحيح " ورأيت بلالا أخرج وضوءا فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئا تمسح به ومن لم يصب أخذ من بلل صاحبه " وبهذه الرواية يتبين المراد من تلك العبارة والنضح : الرش ، وقد تقدم الكلام عليه

                                                                                                                                            قوله : ( ههنا وههنا ) ظرفا مكان والمراد بهما جهة اليمين والشمال كما فسره بذلك الراوي . وللحديث فوائد وفيه أحكام سيأتي بسط الكلام عليها في مواضعها ، والمقصود منه هاهنا الاستدلال على مشروعية التفات المؤذن يمينا وشمالا وجعل الأصبعين في الأذنين حال الأذان والالتفات المذكور هنا مقيد بوقت الحيعلتين ، وقد بوب له ابن خزيمة فقال : باب انحراف المؤذن عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الرأس . وقد اختلفت الروايات في الاستدارة ، ففي بعضها أنه كان يستدير ، وفي بعضها ولم يستدر كما سلف ، ولكنها لم ترو الاستدارة إلا من طريق حجاج وإدريس الأودي وهما ضعيفان

                                                                                                                                            وقد رويت من طريق ثالثة وفيها ضعيف وهو محمد العرزمي . وقد خالف هؤلاء الثلاثة من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون قال في حديثه : " ولم يستدر " أخرجه أبو داود كما تقدم . قال الحافظ : ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى بها استدارة الرأس ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله ، ومشى ابن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة . قال ابن دقيق العيد : فيه دليل على استدارة المؤذن للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين ، واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط ، وقدماه قارتان واختلف أيضا هل يستدير في الحيعلتين الأولتين مرة وفي الثانيتين مرة أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى ، وقد رجح هذا الوجه بأنه يكون لكل جهة نصيب من كل كلمة ، قال والأول أقرب إلى لفظ الحديث انتهى كلامه بالمعنى

                                                                                                                                            وروي عن أحمد أنه لا يدور إلا إذا كان على منارة لقصد إسماع أهل الجهتين ، وبه قال أبو حنيفة وإسحاق ، وقال النخعي والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وهو رواية عن أحمد : أنه يستحب الالتفات في الحيعلتين يمينا وشمالا ، ولا يدور ولا يستدير سواء كان على الأرض أو على منارة . وقال مالك : لا يدور ، ولا يلتفت إلا أن يريد إسماع الناس ، وقال ابن سيرين : يكره الالتفات . والحق استحباب الالتفات حال الأذان بدون تقييد ، وأما الدوران فقد عرفت اختلاف الأحاديث فيه ، وقد أمكن الجمع بما تقدم فلا يصار إلى الترجيح .

                                                                                                                                            وفي الحديث استحباب وضع الأصبعين في الأذنين ، وفي ذلك فائدتان ذكرهما العلماء

                                                                                                                                            الأولى : أن ذلك أرفع [ ص: 57 ] لصوته قال الحافظ : وفيه حديث ضعيف من طريق سعد القرظ عن بلال

                                                                                                                                            والثانية : أنه علامة للمؤذن ليعرف من يراه على بعد أو من كان به صمم أنه يؤذن . قال الترمذي : استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان ، قال : واستحبه الأوزاعي في الإقامة أيضا ، ولم يرد في الأحاديث كما قال الحافظ تعيين الأصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي بأنها المسبحة وإطلاق الأصبع مجاز عن الأنملة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية