الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( سلام على إل ياسين ( 130 ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( 131 ) إنه من عبادنا المؤمنين ( 132 ) )

يقول - تعالى ذكره - : أمنة من الله لآل ياسين .

[ ص: 101 ] واختلفت القراء في قراءة قوله ( سلام على إل ياسين ) فقرأته عامة قراء مكة والبصرة والكوفة : ( سلام على إل ياسين ) بكسر الألف من إل ياسين ، فكان بعضهم يقول : هو اسم إلياس ، ويقول : إنه كان يسمى باسمين : إلياس ، وإلياسين مثل إبراهيم ، وإبراهام ، يستشهد على ذلك ، أن ذلك كذلك ؛ بأن جميع ما في السورة من قوله ( سلام ) فإنه سلام على النبي الذي ذكر دون آله ، فكذلك إلياسين ، إنما هو سلام على إلياس دون آله . وكان بعض أهل العربية يقول : إلياس : اسم من أسماء العبرانية ، كقولهم : إسماعيل وإسحاق ، والألف واللام منه ، ويقول : لو جعلته عربيا من الإلس ، فتجعله إفعالا مثل الإخراج ، والإدخال - أجري .

ويقول : قال : سلام على إلياسين ، فتجعله بالنون ، والعجمي من الأسماء قد تفعل به هذا العرب ، تقول : ميكال وميكائيل وميكائين ، وهي في بني أسد تقول : هذا إسماعين قد جاء ، وسائر العرب باللام قال : وأنشدني بعض بني نمير لضب صاده :


يقول رب السوق لما جينا هذا ورب البيت إسرائينا

[ ص: 102 ] قال : فهذا كقوله إلياسين قال : وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جمعا ، فتجعل أصحابه داخلين في اسمه ، كما تقول لقوم رئيسهم المهلب : قد جاءتكم المهالبة والمهلبون ، فيكون بمنزلة قولهم الأشعرين بالتخفيف ، والسعدين بالتخفيف وشبهه ، قال الشاعر :


أنا ابن سعد سيد السعدينا



قال : وهو في الاثنين أن يضم أحدهما إلى صاحبه إذا كان أشهر منه اسما كقول الشاعر :


جزاني الزهدمان جزاء سوء     وكنت المرء يجزى بالكرامه

[ ص: 103 ] واسم أحدهما : زهدم ، وقال الآخر :


جزى الله فيها الأعورين ذمامة     وفروة ثفر الثورة المتضاجم



واسم أحدهما أعور .

وقرأ ذلك عامة قراء المدينة : " سلام على إل ياسين " بقطع إل من ياسين ، فكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى : سلام على آل محمد . وذكر عن بعض القراء أنه كان يقرأ قوله " وإن الياس " بترك الهمز في إلياس ويجعل الألف واللام داخلتين على " ياس " للتعريف ، ويقول : إنما كان اسمه " ياس " ؛ أدخلت عليه ألف ولام ثم يقرأ على ذلك : " سلام على الياسين " .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه : ( سلام على إل ياسين ) بكسر ألفها على مثال إدراسين ، لأن الله - تعالى ذكره - إنما أخبر عن كل موضع ذكر فيه نبيا من أنبيائه صلوات الله عليهم في هذه السورة بأن عليه سلاما لا على آله ، فكذلك السلام في هذا الموضع ينبغي أن يكون على إلياس كسلامه على غيره من أنبيائه ، لا على آله ، على نحو ما بينا من معنى ذلك .

فإن ظن ظان أن إلياسين غير إلياس ، فإن فيما حكينا من احتجاج من احتج بأن إلياسين هو إلياس غنى عن الزيادة فيه .

مع أن فيما حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( سلام على إل ياسين ) قال : إلياس .

وفي قراءة عبد الله بن مسعود : " سلام على إدراسين " دلالة واضحة على خطأ قول من قال : عنى بذلك سلام على آل محمد ، ، وفساد قراءة من قرأ : " وإن الياس " بوصل [ ص: 104 ] النون من " إن " ب "الياس" ، وتوجيه الألف واللام فيه إلى أنهما أدخلتا تعريفا للاسم الذي هو ياس ، وذلك أن عبد الله كان يقول : إلياس هو إدريس ، ويقرأ : " وإن إدريس لمن المرسلين " ، ثم يقرأ على ذلك : " سلام على إد راسين " ، كما قرأ الآخرون : ( سلام على إل ياسين ) بقطع الآل من ياسين . ونظير تسمية إلياس بإلياسين : ( وشجرة تخرج من طور سيناء ) ثم قال في موضع آخر : ( وطور سينين ) وهو موضع واحد سمي بذلك .

وقوله ( إنا كذلك نجزي المحسنين ) يقول - تعالى ذكره - : إنا هكذا نجزي أهل طاعتنا والمحسنين أعمالا وقوله ( إنه من عبادنا المؤمنين ) يقول : إن إلياس عبد من عبادنا الذين آمنوا ، فوحدونا ، وأطاعونا ، ولم يشركوا بنا شيئا .

التالي السابق


الخدمات العلمية