الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا: لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون

                                                                                                                                                                                                                                      إذ جاءتهم الرسل حال من صاعقة عاد ولا سداد لجعله ظرفا لـ"أنذرتكم" أو صفة لـ"صاعقة" لفساد المعنى، وأما جعله صفة لصاعقة عاد أي: الكائنة إذ جاءتهم ففيه حذف الموصول مع بعض صلته. من بين أيديهم ومن خلفهم متعلق بـ"جاءتهم" أي: من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة أو من جهة الزمان الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار ومن جهة المستقبل بالتحذير عما سيحيق بهم من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. وقيل: المعنى جاءتهم الرسل المتقدمون والمتأخرون على تنزيل مجيء كلامهم ودعوتهم إلى الحق منزلة مجيء أنفسهم فإن هودا وصالحا كانا داعيين لهم إلى الإيمان بهما وبجميع الرسل ممن جاء من بين أيديهم أي: من قبلهم وممن يجيء من خلفهم أي: من بعدهم، فكأن الرسل قد جاءوهم وخاطبوهم بقوله تعالى: أن لا تعبدوا إلا الله أي: بأن لا تعبدوا على أن "أن" مصدرية أو أي: لا تعبدوا على أنها مفسرة. قالوا: لو شاء ربنا أي: [ ص: 8 ] إرسال الرسل لا إنزال الملائكة كما قيل، فإنه عار عن إفادة ما أرادوه من نفي رسالة البشر وقد مر فيما سلف. لأنزل ملائكة أي: لأرسلهم لكن لما كان إرسالهم بطريق الإنزال قيل لأنزل. فإنا بما أرسلتم به أي: على زعمكم، وفيه ضرب تهكم بهم. كافرون لما أنكم بشر مثلنا من غير فضل لكم علينا. روي أن أبا جهل قال في ملأ من قريش قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم لنا رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفي علي فأتاه فقال: أنت يا محمد خير أم هاشم ؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فبم تشتم آلهتنا وتضللنا فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسا، وإن تك بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختارهن أي بنات قريش شئت وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت فلما فرغ عتبة قال صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم حم إلى قوله تعالى: مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسك عتبة على فيه صلى الله عليه وسلم وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فلما احتبس عنهم قالوا: ما نرى عتبة إلا قد صبأ فانطلقوا إليه وقالوا: يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت فغضب ثم قال: والله لقد كلمته فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ولما بلغ صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود أمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية