الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 93 ] أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون إضراب انتقال من توبيخ إلى احتجاج على كذبهم .

والاستفهام المقدر مع ( أم ) إنكار لأن يكون لهم كتاب إنكارا مبنيا على الفرض وإن كانوا لم يدعوه .

وحاصل هذا الانتقال والانتقالات الثلاثة بعده وهي أم لكم أيمان علينا إلخ ، سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء إلخ أن حكمكم هذا لا يخلو من أن يكون سنده كتابا سماويا نزل من لدنا ، وإما أن يكون سنده عهدا منا بأنا نعطيكم ما تقترحون ، وإما أن يكون لكم كفيل علينا ، وإما أن يكون تعويلا على نصر شركائكم .

وتقديم ( لكم ) على المبتدإ وهو كتاب ؛ لأن المبتدأ نكرة وتنكيره مقصود للنوعية فكان تقديم الخبر لازما .

وضمير ( فيه ) عائد إلى الحكم المفاد من قوله كيف تحكمون ، أي كتاب في الحكم .

و ( في ) للتعليل أو الظرفية المجازية كما تقول ورد كتاب في الأمر بكذا أو في النهي عن كذا فيكون ( فيه ) ظرفا مستقرا صفة لـ ( كتاب ) . ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى ( كتاب ) ويتعلق المجرور بفعل ( تدرسون ) . جعلت الدراسة العميقة بمزيد التبصر في ما يتضمنه الكتاب بمنزلة الشيء المظروف في الكتاب كما تقول : لنا درس في كتاب سيبويه .

وفي هذا إدماج بالتعريض بأنهم أميون ليسوا أهل كتاب وأنهم لما جاءهم كتاب لهديهم وإلحاقهم بالأمم ذات الكتاب كفروا نعمته وكذبوه قال تعالى لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون وقال أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة .

وجملة إن لكم فيه لما تخيرون في موضع مفعول ( تدرسون ) على أنها [ ص: 94 ] محكي لفظها ، أي تدرسون هذه العبارة كما جاء قوله تعالى وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين ، أي تدرسون جملة إن لكم فيه لما تخيرون .

ويكون ( فيه ) توكيدا لفظيا لنظيرها من قوله فيه تدرسون ، قصد من إعادتها مزيد ربط الجملة بالتي قبلها كما أعيدت كلمة ( من ) في قوله تعالى ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا وأصله : تتخذون سكرا .

و ( تخيرون ) أصله تتخيرون بتاءين ، حذفت إحداهما تخفيفا . والتخير : تكلف الخير ، أي تطلب ما هو في أخير . والمعنى : إن في ذلك الكتاب لكم ما تختارون من خير الجزاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية