الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شرك

                                                          شرك : الشركة والشركة سواء : مخالطة الشريكين . يقال : اشتركنا بمعنى تشاركنا ، وقد اشترك الرجلان وتشاركا وشارك أحدهما الآخر ; فأما قوله :


                                                          على كل نهد القصريين مقلص وجرداء يأبى ربها أن يشاركا

                                                          فمعناه أنه يغزو على فرسه ولا يدفعه إلى غيره ، ويشارك يعني يشاركه في الغنيمة . والشريك : المشارك . والشرك : كالشريك ; قال المسيب أو غيره :


                                                          شركا بماء الذوب يجمعه     في طود أيمن في قرى قسر

                                                          والجمع أشراك وشركاء ; قال لبيد :


                                                          تطير عدائد الأشراك شفعا     ووترا والزعامة للغلام

                                                          قال الأزهري : يقال شريك وأشراك كما يقال يتيم وأيتام ونصير وأنصار ، وهو مثل شريف وأشراف وشرفاء . والمرأة شريكة والنساء شرائك . وشاركت فلانا : صرت شريكه . واشتركنا وتشاركنا في كذا وشركته في البيع والميراث أشركه شركة ، والاسم الشرك ; قال الجعدي :


                                                          وشاركنا قريشا في تقاها     وفي أحسابها شرك العنان

                                                          والجمع أشراك مثل شبر وأشبار ، وأنشد بيت لبيد . وفي الحديث : من أعتق شركا له في عبد أي حصة ونصيبا . وفي حديث معاذ : أنه أجاز بين أهل اليمن الشرك أي الاشتراك في الأرض ، وهو أن يدفعها صاحبها إلى آخر بالنصف أو الثلث أو نحو ذلك . وفي حديث عمر بن عبد العزيز : إن الشرك جائز ، هو من ذلك ; قال : والأشراك أيضا جمع الشرك وهو النصيب كما يقال قسم وأقسام ، فإن شئت جعلت الأشراك في بيت لبيد ، جمع شريك ، وإن شئت جعلته جمع شرك ، وهو النصيب ، ويقال : هذه شريكتي وماء ليس فيه أشراك أي ليس فيه شركاء ، واحدها شرك ، قال : ورأيت فلانا مشتركا إذا كان يحدث نفسه أن رأيه مشترك ليس بواحد . وفي الصحاح : رأيت فلانا مشتركا إذا كان يحدث نفسه كالمهموم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الناس شركاء في ثلاث : الكلأ والماء والنار ; قال أبو منصور : ومعنى النار الحطب الذي يستوقد به فيقلع من عفو البلاد وكذلك الماء الذي ينبع والكلأ الذي منبته غير مملوك والناس فيه مستوون قال ابن الأثير : أراد بالماء ماء السماء والعيون والأنهار الذي لا مالك له ، وأراد بالكلأ المباح الذي لا يخص به أحد وأراد بالنار الشجر الذي يحتطبه الناس من المباح فيوقدونه ; وذهب قوم إلى أن الماء لا يملك ولا يصح بيعه مطلقا ، وذهب آخرون إلى العمل بظاهر الحديث في الثلاثة ، والصحيح الأول ; وفي حديث أم معبد :


                                                          تشاركن هزلى مخهن قليل

                                                          أي عمهن الهزال فاشتركن فيه وفريضة مشتركة : يستوي فيها المقتسمون ، وهي زوج وأم وأخوان لأم وأخوان لأب وأم ، للزوج النصف ، وللأم السدس وللأخوين للأم الثلث ، ويشركهم بنو الأب والأم ; لأن الأب لما سقط سقط حكمه ، وكان كمن لم يكن وصاروا بني أم معا ; وهذا قول زيد . وكان عمر - رضي الله عنه - حكم فيها بأن جعل الثلث للإخوة للأم ولم يجعل للإخوة للأب والأم ، وقالوا له : هب أن أبانا كان [ ص: 68 ] حمارا فأشركنا بقرابة أمنا فأشرك بينهم ، فسميت الفريضة مشركة ومشركة ، وقال الليث : هي المشتركة . وطريق مشترك : يستوي فيه الناس . واسم مشترك : تشترك فيه معان كثيرة كالعين ونحوها فإنه يجمع معاني كثيرة ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          ولا يستوي المرآن هذا ابن حرة     وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك

                                                          فسره ، فقال : معناه مشترك . وأشرك بالله : جعل له شريكا في ملكه ، تعالى الله عن ذلك ، والاسم الشرك . قال الله تعالى حكاية عن عبده لقمان أنه قال لابنه : يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم . والشرك : أن تجعل لله شريكا في ربوبيته ، تعالى الله عن الشركاء والأنداد ، وإنما دخلت التاء في قوله : لا تشرك بالله ; لأن معناه لا تعدل به عن غيره فتجعله شريكا له ، وكذلك قوله تعالى : وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا لأن معناه عدلوا به ومن عدل به شيئا من خلقه فهو كافر مشرك ; لأن الله وحده لا شريك له ولا ند له ولا نديد . وقال أبو العباس : في قوله تعالى : والذين هم به مشركون معناه الذين هم صاروا مشركين بطاعتهم للشيطان ، وليس المعنى أنهم آمنوا بالله وأشركوا بالشيطان ولكن عبدوا الله وعبدوا معه الشيطان فصاروا بذلك مشركين ليس أنهم أشركوا بالشيطان وآمنوا بالله وحده رواه عنه أبو عمر الزاهد قال : وعرضه على المبرد ، فقال متلئب صحيح . الجوهري : الشرك الكفر . وقد أشرك فلان بالله فهو مشرك ومشركي مثل دو ودوي وسك وسكي وقعسر وقعسري بمعنى واحد قال الراجز :


                                                          ومشركي كافر بالفرق

                                                          أي بالفرقان . وفي الحديث : الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل قال ابن الأثير : يريد به الرياء في العمل فكأنه أشرك في عمله غير الله ومنه قوله تعالى : ولا يشرك بعبادة ربه أحدا . وفي الحديث : من حلف بغير الله فقد أشرك حيث جعل ما لا يحلف به محلوفا به كاسم الله الذي يكون به القسم . وفي الحديث : الطيرة شرك ولكن الله يذهبه بالتوكل جعل التطير شركا به في اعتقاد جلب النفع ودفع الضرر وليس الكفر بالله ; لأنه لو كان كفرا لما ذهب بالتوكل . وفي حديث تلبية الجاهلية : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك . يعنون بالشريك الصنم يريدون أن الصنم وما يملكه ويختص به من الآلات التي تكون عنده وحوله والنذور التي كانوا يتقربون بها إليه كلها ملك لله - عز وجل - فذلك معنى قوله تملكه وما ملك . قال محمد بن المكرم : اللهم إنا نسألك صحة التوحيد والإخلاص في الإيمان انظر إلى هؤلاء لم ينفعهم طوافهم ولا تلبيتهم ولا قولهم عن الصنم هو لك ولا قولهم تملكه وما ملك مع تسميتهم الصنم شريكا بل حبط عملهم بهذه التسمية ولم يصح لهم التوحيد مع الاستثناء ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم : إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، وقوله تعالى : وأشركه في أمري : أي اجعله شريكي فيه . ويقال في المصاهرة : رغبنا في شرككم وصهركم أي مشاركتكم في النسب . قال الأزهري : وسمعت بعض العرب يقول : فلان شريك فلان إذا كان متزوجا بابنته أو بأخته وهو الذي تسميه الناس الختن ، قال : وامرأة الرجل شريكته ، وهي جارته ، وزوجها جارها وهذا يدل على أن الشريك جار وأنه أقرب الجيران . وقد شركه في الأمر بالتحريم ، يشركه إذا دخل معه فيه وأشركه معه فيه . أشرك فلان فلانا في البيع إذا أدخله مع نفسه فيه . واشترك الأمر : التبس . والشرك : حبائل الصائد وكذلك ما ينصب للطير ، واحدته شركة وجمعها شرك ، وهي قليلة نادرة . وشرك الصائد : حبالته يرتبك فيها الصيد . وفي الحديث : أعوذ بك من شر الشيطان وشركه أي ما يدعو إليه ويوسوس به من الإشراك بالله تعالى ، ويروى بفتح الشين والراء أي حبائله ومصايده ، واحدتها شركة . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : كالطير الحذر يرى أن له في كل طريق شركا . وشرك الطريق : جواده . وقيل : هي الطرق التي لا تخفى عليك ولا تستجمع لك فأنت تراها وربما انقطعت غير أنها لا تخفى عليك ، وقيل : هي الطرق التي تختلج والمعنيان متقاربان ، واحدته شركة . الأصمعي : الزم شرك الطريق ، وهي أنساع الطريق ، الواحدة شركة ، وقال غيره : هي أخاديد الطريق ومعناهما واحد ، وهي ما حفرت الدواب بقوائمها في متن الطريق شركة هاهنا وأخرى بجانبها . شمر : أم الطريق معظمه وبنياته أشراكه صغار تتشعب عنه ثم تنقطع . الجوهري : الشركة معظم الطريق ووسطه ، والجمع شرك ; قال ابن بري : شاهده قول الشماخ :


                                                          إذا شرك الطريق توسمته     بخوصاوين في لحج كنين

                                                          ، وقال رؤبة :


                                                          بالعيس فوق الشرك الرفاض

                                                          والكلأ في بني فلان شرك أي طرائق واحدها شراك . وقال أبو حنيفة : إذا لم يكن المرعى متصلا وكان طرائق فهو شرك . والشراك : سير النعل ، والجمع شرك . وأشرك النعل وشركها : جعل لها شراكا والتشريك مثله . ابن بزرج : شركت النعل وشسعت وزمت إذا انقطع كل ذلك منها . وفي الحديث : أنه صلى الظهر حين زالت الشمس وكان الفيء بقدر الشراك ; هو أحد سيور النعل التي تكون على وجهها ; قال ابن الأثير : وقدره هاهنا ليس على معنى التحديد ولكن زوال الشمس لا يبين إلا بأقل ما يرى من الظل ، وكان حينئذ بمكة ، هذا القدر والظل يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وإنما يبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل ، فإذا كان أطول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير لشيء من جوانبها ظل ، فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعتدل النهار يكون الظل فيه أقصر ، وكلما بعد عنهما إلى جهة الشمال يكون الظل فيه أطول . ولطم شركي : متتابع . يقال : لطمه لطما شركيا بضم الشين وفتح الراء أي سريعا متتابعا كلطم المنتقش من البعير ; قال أوس بن حجر :


                                                          وما أنا إلا مستعد كما ترى [ ص: 69 ]     أخو شركي الورد غير معتم

                                                          أي ورد بعد ورد متتابع ; يقول : أغشاك بما تكره غير مبطئ بذلك . ولطمه لطم المنتقش وهو البعير تدخل في يده الشوكة فيضرب بها الأرض ضربا شديدا ، فهو منتقش . والشركي والشركي بتخفيف الراء وتشديدها السريع من السير . و شرك : اسم موضع قال حسان بن ثابت :


                                                          إذا عضل سيقت إلينا كأنهم     جداية شرك معلمات الحواجب

                                                          ابن بري : وشرك اسم موضع ; قال عمارة :


                                                          هل تذكرون غداة شرك وأنتم     مثل الرعيل من النعام النافر

                                                          و بنو شريك : بطن . و شريك : اسم رجل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية