الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب فيمن عليه فوائت أن يؤذن ويقيم للأولى ويقيم لكل صلاة بعدها

                                                                                                                                            512 - ( عن { أبي هريرة قال : عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليأخذ كل رجل براس راحلته ، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان قال : ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ، ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة } رواه أحمد ومسلم والنسائي ورواه أبو داود ولم يذكر فيه سجدتي الفجر ، وقال فيه : { فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى } )

                                                                                                                                            [ ص: 71 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 71 ] الأمر بالإقامة ثابت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ : { وأمر بلالا فأقام الصلاة } الحديث بطوله في نومهم في الوادي ، وفيه من حديث أبي قتادة " أن بلالا أذن "

                                                                                                                                            قوله : ( عرسنا ) قد تقدم تفسيره في باب قضاء الفوائت

                                                                                                                                            قوله : ( فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ) قال النووي : فيه دليل على اجتناب مواضع الشيطان وهو أظهر المعنيين في النهي عن الصلاة في الحمام . قوله : ( ثم صلى سجدتين ) يعني ركعتين وفيه دليل على استحباب قضاء النافلة الراتبة . قوله : ( فأذن وأقام ) استدل به على مشروعية الأذان والإقامة في الصلاة المقضية وقد ذهب إلى استحبابهما في القضاء الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل أبو ثور ، وقال مالك والأوزاعي ورواه المهدي في البحر قولا للشافعي : إنه لا يستحب الأذان ، واحتج لهم بأنه لم ينقل في قضائه الأربع

                                                                                                                                            وأجاب عن ذلك بأنه نقل في رواية ثم قال : سلمنا فتركه خوف اللبس ، وسيأتي حديث قضاء الأربع بعد هذا الحديث مصرحا فيه بالأذان والإقامة ، وإنما ترك الأذان في رواية أبي هريرة عند مسلم وغيره يوم نومهم في الوادي ما قال النووي في شرح مسلم ، ولفظه : وأما ترك ذكر الأذان في حديث أبي هريرة وغيره فجوابه من وجهين أحدهما أنه لا يلزم من ترك ذكره أنه لم يؤذن فلعله أذن ، وأهمله الراوي ولم يعلم به ، والثاني لعله ترك الأذان في هذه المرة لبيان جواز تركه وإشارة إلى أنه ليس بواجب متحتم لا سيما في السفر ، وقال أيضا : وفي المسألة خلاف والأصح عندنا إثبات الأذان لحديث أبي قتادة وغيره من الأحاديث الصحيحة

                                                                                                                                            ، وفي الحديث استحباب الجماعة في الفائتة وقد استشكل نومه صلى الله عليه وسلم في الوادي لقوله : { إن عيني تنام ولا ينام قلبي } قال النووي : وجوابه من وجهين أصحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما ; لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين وإنما يدرك ذلك بالعين ، والعين نائمة وإن كان القلب يقظان ، والثاني أنه كان له حالان أحدهما : ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع ، والثاني : لا ينام وهذا هو الغالب من أحواله وهذا التأويل ضعيف والصحيح المعتمد هو الأول ا . هـ .

                                                                                                                                            513 - ( وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه { أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله ، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ثم أقام فصلى المغرب ، ثم أقام فصلى العشاء } . رواه أحمد والنسائي والترمذي ، وقال : ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم [ ص: 72 ] يسمع من عبد الله ) . الحديث رجاله رجال الصحيح ، ولا علة له إلا عدم سماع أبي عبيدة من أبيه وهو الذي جزم به الحفاظ ، أعني عدم سماعه منه ، وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند أحمد والنسائي وقد تقدم . قال اليعمري : وحديث أبي سعيد رواه الطحاوي عن المزني عن الشافعي ، حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ، وهذا إسناد صحيح جليل انتهى وفي الباب أيضا عن جابر عند البخاري ومسلم ، وقد تقدم ، وليس فيه ذكر الأذان والإقامة . والحديث استدل به على مشروعية الأذان والإقامة في القضاء ، وقد تقدم الخلاف في ذلك ، وللحديث أحكام وفوائد قد تقدم ذكر بعضها في باب الترتيب في قضاء الفوائت ، وقد استشكل الجمع بينه وبين ما في الصحيحين من أن الصلاة التي شغل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فقط ، وقد قدمنا طرفا من الكلام على ذلك في باب الصلاة الوسطى وطرفا في باب الترتيب في قضاء الفوائت .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية