الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شطن

                                                          شطن : الشطن : الحبل ، وقيل : الحبل الطويل الشديد الفتل يستقى به وتشد به الخيل ، والجمع أشطان ; قال عنترة :


                                                          يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم

                                                          ووصف أعرابي فرسا لا يحفى ، فقال : كأنه شيطان في أشطان . وشطنته أشطنه إذا شددته بالشطن . وفي حديث البراء : وعنده فرس مربوطة بشطنين ; الشطن : الحبل ، وقيل : هو الطويل منه ، وإنما شده بشطنين لقوته وشدته . وفي حديث علي عليه السلام : وذكر الحياة ، فقال : إن الله جعل الموت خالجا لأشطانها ; هي جمع شطن ، والخالج المسرع في الأخذ ، فاستعار الأشطان للحياة لامتدادها وطولها . والشطن : الحبل الذي يشطن به الدلو . والمشاطن : الذي ينزع الدلو من البئر بحبلين ; قال ذو الرمة :


                                                          ونشوان من طول النعاس كأنه     بحبلين في مشطونة يتطوح

                                                          ، وقال الطرماح :


                                                          أخو قنص يهفو كأن سراته     ورجليه سلم بين حبلي مشاطن

                                                          ، ويقال للفرس العزيز النفس : إنه لينزو بين شطنين يضرب مثلا للإنسان الأشر القوي ; وذلك أن الفرس إذا استعصى على صاحبه شده بحبلين من جانبين ، يقال فرس مشطون . والشطون من الآبار : التي تنزع بحبلين من جانبيها ، وهي متسعة الأعلى ضيقة الأسفل فإن نزعها بحبل واحد جرها على الطي فتخرقت . وبئر شطون : ملتوية عوجاء . وحرب شطون : عسرة شديدة ; قال الراعي :


                                                          لنا جبب وأرماح طوال     بهن نمارس الحرب الشطونا

                                                          وبئر شطون : بعيدة القعر في جرابها عوج . ورمح شطون : طويل أعوج . وشطن عنه : بعد . وأشطنه : أبعده . وفي الحديث : كل هوى شاطن في النار ، الشاطن : البعيد عن الحق ، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره : كل ذي هوى ، وقد روي كذلك . وشطنت الدار تشطن شطونا : بعدت . ونية شطون : بعيدة ، وغزوة شطون كذلك . والشطين : البعيد . قال ابن سيده : كذلك وقع في بعض نسخ المصنف ، والمعروف الشطير بالراء ، وهو مذكور في موضعه . ونوى شطون : بعيدة شاقة ; قال النابغة :


                                                          نأت بسعاد عنك نوى شطون     فبانت والفؤاد بها رهين

                                                          وإلية شطون إذا كانت مائلة في شق . والشطن مصدر شطنه يشطنه شطنا خالفه عن وجهه ونيته . والشيطان : حية له عرف . والشاطن : الخبيث . والشيطان : فيعال من شطن إذا بعد فيمن جعل النون أصلا ، وقولهم الشياطين دليل على ذلك . والشيطان : معروف ، وكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان ; قال جرير :


                                                          أيام يدعونني الشيطان من غزل     وهن يهوينني إذا كنت شيطانا

                                                          وتشيطن الرجل وشيطن إذا صار كالشيطان وفعل فعله ; قال رؤبة :


                                                          شاف لبغي الكلب المشيطن

                                                          وقيل : الشيطان فعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق مثل هيمان وغيمان من هام وغام ; قال الأزهري : الأول أكثر ، قال : والدليل على أنه من شطن قول أمية بن أبي الصلت يذكر سليمان النبي - صلى الله عليه وسلم - :


                                                          أيما شاطن عصاه عكاه

                                                          أراد : أيما شيطان . وفي التنزيل العزيز : وما تنزلت به الشياطين وقرأ الحسن : وما تنزلت به الشياطون ، قال ثعلب : هو غلط منه ، وقال في ترجمة جنن : والمجانين جمع لمجنون ، وأما مجانون فشاذ كما شذ شياطون في شياطين ، وقرئ : واتبعوا ما تتلو الشياطين . وتشيطن الرجل : فعل فعل الشياطين . وقوله تعالى : طلعها كأنه رءوس الشياطين قال الزجاج : وجهه أن الشيء إذا استقبح شبه بالشياطين ، فيقال كأنه وجه شيطان ، وكأنه رأس شيطان والشيطان لا يرى ، ولكنه يستشعر أنه أقبح ما يكون من الأشياء ، ولو رئي لرئي في أقبح صورة ; ومثله قول امرئ القيس :


                                                          أيقتلني والمشرفي مضاجعي     ومسنونة زرق كأنياب أغوال

                                                          ولم تر الغول ولا أنيابها ، ولكنهم بالغوا في تمثيل ما يستقبح من المذكر بالشيطان ، وفيما يستقبح من المؤنث بالتشبيه له بالغول ، وقيل : كأنه رءوس الشياطين كأنه رءوس حيات ، فإن العرب تسمي بعض الحيات شيطانا ، وقيل : هو حية له عرف قبيح المنظر ; وأنشد لرجل يذم امرأة له :

                                                          [ ص: 82 ]

                                                          عنجرد تحلف حين أحلف     كمثل شيطان الحماط أعرف

                                                          ، وقال الشاعر يصف ناقته :


                                                          تلاعب مثنى حضرمي كأنه     تعمج شيطان بذي خروع قفر

                                                          وقيل : رءوس الشياطين نبت معروف قبيح يسمى رءوس الشياطين شبه به طلع هذه الشجرة ، والله أعلم . وفي حديث قتل الحيات : خرجوا عليه فإن امتنع وإلا فاقتلوه ، فإنه شيطان ; أراد أحد شياطين الجن ، قال : وقد تسمى الحية الدقيقة الخفيفة شيطانا وجانا على التشبيه . وفي الحديث : إن الشمس تطلع بين قرني شيطان قال الحربي : هذا مثل يقول حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط ، فيكون كالمعين لها قال : وكذلك قوله : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم إنما هو مثل أي يتسلط عليه فيوسوس له لا أنه يدخل في جوفه ، والشيطان نونه أصلية ; قال أمية يصف سليمان بن داود - عليهما السلام - :


                                                          أيما شاطن عصاه عكاه     ثم يلقى في السجن والأغلال

                                                          قال ابن بري : ومثله قول الآخر :


                                                          أكل يوم لك شاطنان     على إزاء البئر ملهزان ؟

                                                          ، ويقال أيضا : إنها زائدة ، فإن جعلته فيعالا من قولهم : تشيطن الرجل صرفته ، وإن جعلته من شيط لم تصرفه ; لأنه فعلان ، وفي النهاية إن جعلت نون الشيطان أصلية كان من الشطن البعد أي بعد عن الخير أو من الحبل الطويل كأنه طال في الشر ، وإن جعلتها زائدة كان من شاط يشيط إذا هلك أو من استشاط غضبا إذا احتد في غضبه والتهب قال : والأول أصح . وقال الخطابي : قوله بين قرني الشيطان من ألفاظ الشرع التي أكثرها ينفرد هو بمعانيها ويجب علينا التصديق بها ، والوقوف عند الإقرار بأحكامها ، والعمل بها . وفي الحديث : الراكب شيطان والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب يعني أن الانفراد والذهاب في الأرض على سبيل الوحدة من فعل الشيطان ، أو شيء يحمله عليه الشيطان ، وكذلك الراكبان وهو حث على اجتماع الرفقة في السفر . وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال في رجل سافر وحده : أرأيتم إن مات من أسأل عنه ؟ والشيطان : من سمات الإبل ، وسم يكون في أعلى الورك منتصبا على الفخذ إلى العرقوب ملتويا ; عن ابن حبيب من تذكرة أبي علي . أبو زيد : من السمات الفرتاج والصليب والشجار والمشيطنة . ابن بري : وشيطان بن الحكم بن جاهمة الغنوي ; قال طفيل :


                                                          وقد منت الخذواء منا عليهم     وشيطان إذ يدعوهم ويثوب

                                                          والخذواء : فرسه . قال ابن بري : و جاهم قبيلة و خثعم أخوالها ، وشيطان في البيت مصروف ، قال : وهذا يدل على أن شيطان فعلان ونونه زائدة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية