الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك إشارة إلى المذكورين آخرا باعتبار اتصافهم بما مر من الصفات الحميدة، وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد منزلتهم وعلو طبقتهم في الفضل، وهو مبتدأ وقوله تعالى: جزاؤهم بدل اشتمال منه. وقوله تعالى: مغفرة خبر له أو "جزاؤهم" مبتدأ ثان و "مغفرة" خبر له، والجملة خبر لـ "أولئك" وهذه الجملة خبر لقوله تعالى: والذين إذا فعلوا إلخ... على الوجه الأول وهو الأظهر الأنسب بنظم المغفرة المنبئة عن سابقة الذنب في سلك الجزاء، إذ على الوجهين الأخيرين يكون قوله تعالى: أولئك إلخ جملة مستأنفة مبينة لما قبلها كاشفة عن حال كلا الفريقين المحسنين والتائبين، ولم يذكر من أوصاف الأولين ما فيه شائبة الذنب حتى يذكر في مطلع الجزاء الشامل لها المغفرة ، وتخصيص الإشارة بالآخرين مع اشتراكهما في حكم إعداد الجنة لهما تعسف ظاهر. من ربهم متعلق بمحذوف وقع صفة لـ "مغفرة" مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، أي: كائنة من جهته تعالى، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم للإشعار بعلة الحكم والتشريف. وجنات تجري من تحتها الأنهار عطف على "مغفرة" والتنكر المشعر بكونها أدنى من الجنة السابقة مما يؤيد رجحان الوجه الأول. خالدين فيها حال مقدرة من الضمير في "جزاؤهم" لأنه مفعول به في المعنى لأنه في قوة: يجزيهم الله جنات خالدين فيها، ولا مساغ لأن يكون حالا من "جنات" في اللفظ وهي لأصحابها في المعنى، إذ لو كان كذلك لبرز الضمير. ونعم أجر العاملين المخصوص بالمدح محذوف، أي: ونعم أجر العاملين ذلك، أي: ما ذكر من المغفرة والجنات والتعبير عنهما بالأجر المشعر بأنهما يستحقان بمقابلة العمل وإن كان بطريق التفضل لمزيد الترغيب في الطاعات والزجر عن المعاصي، والجملة تذييل مختص بالتائبين حسب اختصاص التذييل السابق بالأولين، وناهيك مضمونها دليلا على ما بين الفريقين من التفاوت النير والتباين البين شتان بين المحسنين الفائزين بمحبة الله عز وجل وبين العاملين الحائزين لأجرتهم وعمالتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية