الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين .

                                                                                                                                                                                                                                      فأزلهما الشيطان عنها : أي: أصدر زلتهما؛ أي زلقهما؛ وحملهما على الزلة بسببها؛ ونظيرة عن هذه ما في قوله (تعالى): وما فعلته عن أمري ؛ أو: أزلهما عن الجنة؛ بمعنى أذهبهما؛ وأبعدهما عنها؛ يقال: "زل عني كذا"؛ إذا ذهب عنك؛ ويعضده قراءة: "أزالهما"؛ وهما متقاربان في المعنى؛ فإن الإزلال - أي الإزلاق - يقتضي زوال الزال عن موضعه؛ البتة؛ وإزلاله: قوله لهما: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ؛ وقوله: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ؛ ومقاسمته لهما: إني لكما لمن الناصحين ؛ وهذه الآيات مشعرة بأنه - عليه السلام - لم يؤمر بسكنى الجنة على وجه الخلود؛ بل على وجه التكرمة؛ والتشريف؛ لما قلد من خلافة الأرض إلى حين البعث إليها. واختلف في كيفية توصله إليهما؛ بعدما قيل له: فاخرج منها فإنك رجيم ؛ فقيل: إنه إنما منع من الدخول على وجه التكرمة؛ كما يدخلها الملائكة - عليهم السلام -؛ ولم يمنع من الدخول للوسوسة؛ ابتلاء لآدم؛ وحواء؛ وقيل: قام عند الباب؛ فناداهما؛ وقيل: تمثل بصورة دابة؛ فدخل؛ ولم يعرفه الخزنة؛ وقيل: دخل في فم الحية؛ فدخل معها؛ وقيل: أرسل بعض أتباعه؛ فأزلهما؛ والعلم عند الله - سبحانه.

                                                                                                                                                                                                                                      فأخرجهما مما كانا فيه : أي: من الجنة؛ إن كان ضمير "عنها" للشجرة؛ والتعبير عنها بذلك للإيذان بفخامتها وجلالتها؛ وملابستهما له؛ أي: من المكان العظيم؛ الذي كانا مستقرين فيه؛ أو من الكرامة والنعيم؛ إن كان الضمير للجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقلنا اهبطوا : الخطاب لآدم وحواء - عليهما السلام -؛ بدليل قوله (تعالى): اهبطا منها جميعا ؛ وجمع الضمير لأنهما أصل الجنس؛ فكأنهما الجنس كلهم؛ وقيل: لهما؛ وللحية؛ وإبليس؛ على أنه أخرج منها ثانية؛ بعدما كان يدخلها للوسوسة؛ أو يدخلها مسارقة؛ أو أهبط من السماء؛ وقرئ بضم الباء.

                                                                                                                                                                                                                                      بعضكم لبعض عدو : حال استغني فيها عن الواو بالضمير؛ أي: متعادين؛ يبغي بعضكم على بعض؛ بتضليله؛ أو استئناف لا محل له من الإعراب؛ وإفراد "العدو" إما للنظر إلى لفظ "البعض"؛ وإما لأن وزانه وزان المصدر؛ كـ "القبول".

                                                                                                                                                                                                                                      ولكم في الأرض ؛ التي هي محل الإهباط؛ والظرف متعلق بما تعلق به الخبر؛ أعني "لكم"؛ من [ ص: 92 ] الاستقرار مستقر : أي استقرار؛ أو موضع استقرار؛ ومتاع ؛ أي تمتع بالعيش؛ وانتفاع به؛ إلى حين ؛ هو حين الموت؛ على أن المغيا تمتع كل فرد من المخاطبين؛ أو القيامة؛ على أنه تمتع الجنس في ضمن بعض الأفراد؛ والجملة كما قبلها - في كونها حالا -؛ أي مستحقين للاستقرار؛ والتمتع؛ أو استئنافا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية