الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ( 19 ) )

يقول - تعالى ذكره - : وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة " الذين هم عند الرحمن " بالنون ، فكأنهم تأولوا في ذلك قول الله - جل ثناؤه - : ( إن الذين عند ربك لا يستكبرون ) فتأويل الكلام على هذه القراءة : وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه إناثا ، فقالوا : هم بنات الله جهلا منهم بحق الله ، وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة [ ص: 582 ] ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ) بمعنى : جمع عبد . فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء : وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله ، فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده .

واختلفوا أيضا في قراءة قوله : ( أشهدوا خلقهم ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة " أشهدوا خلقهم " بضم الألف ، على وجه ما لم يسم فاعله ، بمعنى : أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثا ، خلق ملائكته الذين هم عنده ، فعلموا ما هم ، وأنهم إناث ، فوصفوهم بذلك ، لعلمهم بهم ، وبرؤيتهم إياهم ، ثم رد ذلك إلى ما لم يسم فاعله .

وقرئ بفتح الألف ، بمعنى : أشهدوا هم ذلك فعلموه ؟ والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وقوله : ( ستكتب شهادتهم ) يقول - تعالى ذكره - : ستكتب شهادة هؤلاء القائلين : الملائكة بنات الله في الدنيا ، بما شهدوا به عليهم ، ويسألون عن شهادتهم تلك في الآخرة أن يأتوا ببرهان على حقيقتها ، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية