الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون ( 63 ) إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ( 64 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ولما جاء عيسى بني إسرائيل بالبينات ، يعني بالواضحات من الأدلة . وقيل : عنى بالبينات : الإنجيل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولما جاء عيسى بالبينات ) أي بالإنجيل . وقوله : ( قال قد جئتكم بالحكمة ) قيل : عنى بالحكمة في هذا الموضع : النبوة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( قال قد جئتكم بالحكمة ) قال : النبوة .

وقد بينت معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده ، وذكرت اختلاف المختلفين في تأويله ، فأغنى ذلك عن إعادته .

وقوله : ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) يقول : ولأبين لكم معشر بني إسرائيل بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة .

كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، [ ص: 635 ] عن مجاهد قوله : ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) قال : من تبديل التوراة .

وقد قيل : معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكل ، وجعلوا ذلك نظير قول لبيد ؟


تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامها



قالوا : الموت لا يعتلق بعض النفوس ، وإنما المعنى : أو يعتلق النفوس حمامها ، وليس لما قال هذا القائل كبير معنى ، لأن عيسى إنما قال لهم : ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) ، لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم ، فقال لهم : أبين لكم بعض ذلك ، وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم ، فلذلك خص ما أخبرهم أنه يبينه لهم . وأما قول لبيد : " أو يعتلق بعض النفوس " فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك ، لأنه أراد : أو يعتلق نفسه حمامها ، فنفسه من بين النفوس لا شك أنها بعض لا كل .

وقوله : ( فاتقوا الله وأطيعون ) يقول : فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته ، وخافوه باجتناب معاصيه ، وأطيعون فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره ، وقبول نصيحتي لكم .

وقوله : ( إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه ) يقول : إن الله الذي يستوجب [ ص: 636 ] علينا إفراده بالألوهية وإخلاص الطاعة له ، ربي وربكم جميعا ، فاعبدوه وحده ، لا تشركوا معه في عبادته شيئا ، فإنه لا يصلح ، ولا ينبغي أن يعبد شيء سواه .

وقوله : ( هذا صراط مستقيم ) يقول : هذا الذي أمرتكم به من اتقاء الله وطاعتي ، وإفراد الله بالألوهة ، هو الطريق المستقيم ، وهو دين الله الذي لا يقبل من أحد من عباده غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية