الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بنيت الجاثية على النظر في آيات الخافقين خطابا لأهل الإيمان [ ص: 119 ] استدلالا على يوم الفصل المدلول عليه في الدخان بآية: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين والتي بعدها، فأنتجت العلم بأن الكبرياء لخالقهما بما يشاهد من قهره للملوك فمن سواهم بالموت وما دونه من غير مبالاة بأحد وبينت - بما أفهمه الملك والكبرياء والحكمة؛ لأن عادة من كان بهذا الوصف ألا يكون [كلامه] إلا بحسب الحاجة - أن الكتاب منزل نجوما لبيان ما يحاولون به مدحض لحجتهم هادم لعزتهم بحكمته وعزته، فثبت الحشر وحق النشر، وختم بصفتي العزة والحكمة، ذكر بما ثبت من ذلك كله تأكيدا لأمر البعث وتحقيقا لليوم الآخر على وجه مبين أن الخلق كله آيات وحكم واعتبارات؛ لأنه أثبت أنه كله حق، ونفى عنه كل باطل، فقال خطابا لأهل الأوثان من سائر الأديان الصابية والمجوس وغيرهم الذين افتتحت السورة بهم وختمت بالفسق الجامع لهم الموجب لكفرهم: تنـزيل الكتاب أي: الجامع لجميع الخيرات بالتدريج على حسب المصالح من الله [ ص: 120 ] أي الجبار المتكبر المختص بصفات الكمال الذي هو الحمد بما دلت عليه ربوبيته، وختم بقوله: العزيز الحكيم تقريرا لأنه لم يضع شيئا إلا في أوفق محاله، وأنه الخالق [للشر كما أنه الخالق] للخير ولجميع الأفعال وأنه يعز أولياءه ويذل أعداءه ويحكم أمر دينه فيظهره على الدين كله من غير أن يقدر أحد على معارضته في شيء منه فصارت آية الجاثية مقدمة لهذه وهذه نتيجة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية