الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الإجارة .

                                                                                        لما فرغ من بيان تمليك الأعيان بغير عوض وهو الهبة شرع في بيان تمليك المنافع بعوض وهو الإجارة وقدم الأول على الثاني ; لأن الأعيان مقدمة على المنافع ; ولأن الأولى فيها عدم العوض ، والثانية فيها العوض والعدم مقدم على الوجود ، ثم لعقد الإجارة مناسبة خاصة بفعل الصدقة من حيث إنهما يقعان لازمين فلذلك أورد كتاب الإجارة متصلا بفعل الصدقة ، وقال صاحب العناية وإنما جمعها إشارة إلى أنها حقيقة وذات أفراد فإن لها نوعين : نوع يرد على الأعيان كاستئجار الدور والأراضي ، ونوع يرد على العمل كاستئجار المحترفين للأعمال نحو الخياطة والقصارة ا هـ .

                                                                                        وسيبين المؤلف أن المنفعة تارة تصير معلومة ببيان المدة ، وتارة تصير معلومة بالتسمية وتارة تصير معلومة بالتعيين والإشارة ، ولو قال المؤلف كتاب الإيجار لكان أولى ; لأن الذي يعرف هو الإيجار الذي هو بيع المنافع لا الإجارة التي هي الأجرة قال رحمه الله تعالى .

                                                                                        ( هي بيع منفعة معلومة بأجرة معلومة ) فقوله بيع جنس يشمل بيع العين والمنفعة وهو وإن كان جنسا كما يكون مدخلا يكون مخرجا كما تقرر في المعقولات فخرج به العارية ; لأنها تمليك المنافع والنكاح ; لأنه تمليك البضع ليس بمنفعة وخرج بقوله منفعة بيع العين وقوله بأجرة معلومة تمام التعريف ولا يخفى أن بيع مصدر باع والمصدر هو المعنى القائم بالذات وجاز أن يراد به اسم المفعول وهو المبيع . وسواء أريد المصدر أو اسم المفعول لا يصلح ما ذكر تعريفا للإيجاب ; لأن الإيجاب والقبول والارتباط غير المعنى المصدري واسم المفعول فهذا تعريف ببعض الخواص ، ولو أراد التعريف بالحقيقة لقال هو عقد يرد على بيع إلى آخره ، واحترز بذكر المعلوم عما إذا اشتمل العقد على بيع معلوم وأجرة معلومة وشيء مجهول بأن استأجر عبدا مائة معلومة بأجرة معلومة وطعامه وكسوته ، وهذا لا يجوز للجهالة كذا في الخلاصة وإنما لا يصح البيع من غير أن يملك الرقبة ، ولو ملك المنفعة [ ص: 3 ] قال في الذخيرة وقف على قوم معينين فأجرهم القيم الوقف جاز ; لأنهم لا حق لهم في الرقبة وإنما حقهم في الغلة فصاروا في حق الرقبة كالأجانب إلا أنه يسقط حصة المستأجر من الأجرة ; لأنه لو أخذ منه يسترد له وفي القنية لو أجر القيم نفسه للعمل في الوقف فعمل يستحق الأجرة وبه يفتى ، ولو عمل من غير عقد يستحق الأجرة وعليه العمل والكلام في الإجارة في مواضع : الأول في معناها لغة قيل هي بيع المنافع قال العيني وفيه نظر قال قاضي زاده ، قولهم الإجارة في اللغة بيع المنافع قال الشارح العيني فيه نظر ; لأن الإجارة اسم للأجرة وهي ما أعطيت من كراء الأجير كما صرحوا به قال قاضي زاده والنظر المذكور وارد ; لأن المذكور في كتب اللغة إنما هو الإجارة التي هي اسم الأجرة والذي هو بيع المنافع الإيجار لا الأجرة ، قال العيني وتجوز أن تكون الإجارة مصدرا قال قاضي زاده ولم يسمع في اللغة أن الإجارة مصدر وفي المضمرات يقال : أجره إذا أعطاه أجرته والأجرة ما يستحق على عمل الخير ولهذا يدعى به يقال آجرك الله وعظم الله أجرك ، وفي كتاب العيني أجره مملوكي وآجره إيجارا فهو مؤجر وفي الأساس أجرني داره فاستأجرتها وهو مؤجر ولا يقل مؤاجر فإنه خطأ وقبيح قال وليس آجر هذا فاعل ، بل هو أفعل . ا هـ . .

                                                                                        وأما دليلها من الكتاب فهو قوله تعالى حكاية عن شعيب : { على أن تأجرني ثماني حجج } . وشريعة من قبلنا شريعة لنا إذا قصها الله علينا من غير إنكار ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام : { أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه } ، ومن الإجماع فإن الأمة أجمعت على جوازها ، وسبب المشروعية الحاجة ; لأن كل إنسان لا يجد ما يشتري به العين فجوزت للضرورة ، وأما ركنها فهو الإيجاب والقبول والارتباط بينهما ، وأما شرط جوازها فثلاثة أشياء : أجر معلوم ، وعين معلوم ، وبدل معلوم ، ومحاسنها دفع الحاجة بقليل المنفعة ، وأما حكمها فوقوع الملك في البدلين ساعة فساعة ، وأما ألفاظها فتنعقد بلفظين ماضيين أو يعبر بأحدهما عن الماضي والآخر عن المستقبل كقوله أجرتك وأعرتك منفعة داري سنة بكذا وتنعقد بالتعاطي كما في البيع وفي التتارخانية وتنعقد الإجارة بغير لفظ كما لو استأجر دارا سنة ، فلما انقضت المدة قال ربها للمستأجر فرغها لي اليوم وإلا فعليك كل شهر بألف درهم فتجعل في قدر ما ينقل متاعه بأجرة المثل فإن سكن شهرا فهي بما قال المالك إلى آخر ما ذكر .

                                                                                        وصفتها أنها عقد لازم وفي العناية ويثبت في الإجارة خيار الشرط والرؤية والعيب كما في البيع ا هـ .

                                                                                        وأفاد المؤلف أن عقد الإجارة ينعقد بإقامة العين مقام المنفعة ولهذا لو أضاف العقد إلى المنافع فلا تجوز بأن قال أجرتك منافع داري بكذا شهر وإنما يصح إضافته إلى العين ، والمراد من المنفعة أن تكون مقصودة من العين فلو استأجر ثيابا ليبسطها ولا يجلس عليها ولا ينام أو دابة ليربطها في داره ويظن الناس أنها له أو ليجعلها جنيبة بين يديه أو آنية يضعها في بيته يتجمل بها ولا يستعملها فالإجارة في جميع ذلك فاسدة ولا أجرة له ; لأن هذه المنفعة غير مقصودة . كذا في الخلاصة في الجنس الثالث من الدواب كما في البيع ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية