الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          458 - مسألة : ونستحب إذا أكمل التشهد في كلتا الجلستين أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد " ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر : أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري - وعبد الله بن زيد هو الذي أرى النداء للصلاة - أخبره عن أبي مسعود الأنصاري [ ص: 51 ] قال : { أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد } ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - ثنا روح عن مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم أنا أبو حميد الساعدي " أنهم { قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } ؟ وبه إلى مسلم : ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : سمعت ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن - قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية ؟ { خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : قد عرفنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد }

                                                                                                                                                                                          قال علي : جمعنا قبل جميع ألفاظه عليه السلام في هذه الأحاديث .

                                                                                                                                                                                          وإن اقتصر المصلي على بعض ما في هذه الأخبار أجزأه ، وإن لم يفعل أصلا كرهنا ذلك ، وصلاته تامة [ ص: 52 ] إلا أن فرضا عليه ولا بد أن يقول ما في خبر من هذه الأخبار ولو مرة واحدة في دهره ، لأمره عليه السلام بأن يقال ذلك

                                                                                                                                                                                          ولقول الله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }

                                                                                                                                                                                          والمرء إذا فعل ما أمر به مرة فقد أدى ما عليه ، إلا أن يأتي الأمر بترديد ذلك مقادير معلومة ، أو في أوقات معلومة ، فيكون ذلك لازما ومن قال : إن تكرار ما أمر به يلزم - : كان كلامه باطلا ، لأنه يكلف من ذلك ما لا حد له ، ولو كان ذلك لازما لأدى إلى بطلان كل شغل ، وبطلان سائر الأوامر ، وهذا هو الإصر والحرج اللذان قد آمننا الله تعالى منهما وإنما كرهنا تركه ، لأنه فضل عظيم لا يزهد فيه إلا محروم وصح { عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشرا } ؟ وقال الشافعي : من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بطلت صلاته ، واحتج بأن التسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض ، وهو في التشهد فرض .

                                                                                                                                                                                          قال : وقد روى عبد الرحمن بن بشر عن أبي مسعود : { قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : أمرنا أن نصلي عليك وأن نسلم ، فأما السلام فقد عرفناه ، فكيف نصلي عليك ؟ فعلمهم عليه السلام } بعض ما ذكرنا قبل "

                                                                                                                                                                                          وفي بعض ما ذكرنا : أنه عليه السلام قال لهم { : والسلام كما علمتم } قالوا : فالصلاة فرض حيث السلام ؟ قال علي : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الصلاة حيث يكون السلام : لكان ما قالوه ، لكن لما لم يقله عليه السلام ، لم يكن ذلك ، ولم يجز أن نحكم بما لم يقل عليه السلام ، فيكون فاعل ذلك يقنت له عليه السلام ما لم يقل ، وشارعا ما لم يأذن به الله تعالى

                                                                                                                                                                                          قال علي : ولقد كان يلزم من قال : إن الصيام فرض في الاعتكاف من أجل أن الله تعالى ذكر الاعتكاف مع ذكره للصوم - : أن يجعل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل [ ص: 53 ] صلاة فرضا ، لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ذكرا الصلاة عليه مع التسليم عليه فإن ذكر ذاكر : حديث ابن وهب عن أبي هانئ أن أبا علي الجنبي حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد يقول : { سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد ( الله ) ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجلت أيها المصلي ثم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يصلي فمجد الله تعالى وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع تجب ، وسل تعط } ؟ قال علي : ليس في هذا إيجاب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، ولو كان ذلك لما قال له " عجلت " فليس من عجل في صلاته بمبطل لها ، بل كان يقول له : ارجع فصل فإنك لم تصل ، لكن في هذا الخبر استحباب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها فقط ؟ فإن ذكروا حديث كعب بن عجرة الذي فيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترض له جبريل ، فقال له : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقال عليه السلام : آمين } ؟ قال علي : هذا خبر لا يصح ; لأن راويه أبو بكر بن أبي أويس ، وقد غمز غمزا شديدا عن محمد بن هلال ، وهو مجهول ، عن سعد بن إسحاق ، وهو مضطرب في اسمه غير مشهور الحال

                                                                                                                                                                                          ولو صح لكان فيه إيجاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا متى ذكر في صلاة أو غيرها ، ولم يكن فيه تخصيص ما بعد التشهد في الصلاة بذلك وقد ذكر بعضهم ما يوافق قولهم عن أبي حميد ، وأبي أسيد ؟ [ ص: 54 ] قال علي : هذا لازم لمن رأى تقليد الصاحب ، لا لنا - وبالله تعالى التوفيق ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية