الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ صلا ]

                                                          صلا : الصلاة : الركوع والسجود . فأما قوله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فإنه أراد لا صلاة فاضلة أو كاملة ، والجمع صلوات . والصلاة : الدعاء والاستغفار ؛ قال الأعشى :


                                                          وصهباء طاف يهوديها وأبرزها وعليها ختم     وقابلها الريح في دنها
                                                          وصلى على دنها وارتسم

                                                          .

                                                          قال : دعا لها أن لا تحمض ، ولا تفسد . والصلاة من الله تعالى : الرحمة ؛ قال عدي بن الرقاع :

                                                          [ ص: 276 ]

                                                          صلى الإله على امرئ ودعته     وأتم نعمته عليه وزادها

                                                          وقال الراعي :


                                                          صلى على عزة الرحمن وابنتها     ليلى وصلى على جاراتها الأخر

                                                          وصلاة الله على رسوله : رحمته له وحسن ثنائه عليه . وفي حديث ابن أبي أوفى أنه قال : أعطاني أبي صدقة ماله فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى ؛ قال الأزهري : هذه الصلاة عندي الرحمة ؛ ومنه قوله عز وجل : إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فالصلاة من الملائكة دعاء واستغفار ، ومن الله رحمة ، وبه سميت الصلاة لما فيها من الدعاء والاستغفار . وفي الحديث التحيات لله والصلوات ؛ قال أبو بكر : الصلوات ؛ معناها الترحم . وقوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي أي يترحمون . وقوله : اللهم صل على آل أبي أوفى أي : ترحم عليهم وتكون الصلاة بمعنى الدعاء . وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليصل قوله : فليصل ، يعني فليدع لأرباب الطعام بالبركة والخير ، والصائم إذا أكل عنده الطعام صلت عليه الملائكة ؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة عشرا . وكل داع فهو مصل ومنه قول الأعشى :


                                                          عليك مثل الذي صليت فاغتمضي     نوما فإن لجنب المرء مضطجعا

                                                          معناه أنه يأمرها بأن تدعو له مثل دعائها أي تعيد الدعاء له ، ويروى : عليك مثل الذي صليت ، فهو رد عليها أي عليك مثل دعائك أي ينالك من الخير مثل الذي أردت بي ودعوت به لي . أبو العباس في قوله تعالى : هو الذي يصلي عليكم وملائكته فيصلي يرحم ، وملائكته يدعون للمسلمين والمسلمات . ومن الصلاة بمعنى الاستغفار حديث سودة : أنها قالت : يا رسول الله إذا متنا صلى لنا عثمان بن مظعون حتى تأتينا ، فقال لها : إن الموت أشد مما تقدرين ؛ قال شمر : قولها صلى لنا أي استغفر لنا عند ربه . وكان عثمان مات حين قالت سودة ذلك . وأما قوله تعالى : أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة فمعنى الصلوات ههنا الثناء عليهم من الله تعالى ؛ وقال الشاعر :


                                                          صلى على يحيى وأشياعه     رب كريم وشفيع مطاع

                                                          معناه ترحم الله عليه على الدعاء لا على الخبر . ابن الأعرابي : الصلاة من الله رحمة ، ومن المخلوقين الملائكة والإنس والجن : القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح ، والصلاة من الطير والهوام التسبيح . وقال الزجاج : الأصل في الصلاة اللزوم . يقال : قد صلي واصطلى إذا لزم ، ومن هذا من يصلى في النار أي يلزم النار . وقال أهل اللغة في الصلاة : إنها من الصلوين ، وهما مكتنفا الذنب من الناقة وغيرها وأول موصل الفخذين من الإنسان فكأنهما في الحقيقة مكتنفا العصعص ؛ قال الأزهري : والقول عندي هو الأول ، إنما الصلاة لزوم ما فرض الله تعالى والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه . والصلاة : واحدة الصلوات المفروضة ، وهو اسم يوضع موضع المصدر تقول : صليت صلاة ، ولا تقل تصلية وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن الأثير : وقد تكرر في الحديث ذكر الصلاة ، وهي العبادة المخصوصة ، وأصلها في اللغة الدعاء فسميت ببعض أجزائها ، وقيل : أصلها في اللغة التعظيم ، وسميت الصلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظم الرب تعالى وتقدس . وقوله في التشهد : الصلوات لله ، أي الأدعية التي يراد بها تعظيم الله هو مستحقها لا تليق بأحد سواه . وأما قولنا : اللهم صل على محمد ، فمعناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته ؛ وقيل : المعنى لما أمرنا الله سبحانه بالصلاة عليه ولن نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله وقلنا : اللهم صل أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق به ، وهذا الدعاء قد اختلف فيه هل يجوز إطلاقه على غير النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ، والصحيح أنه خاص له ، ولا يقال لغيره . وقال الخطابي : الصلاة التي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره والتي بمعنى الدعاء والتبريك تقال لغيره ، ومنه : اللهم صل على آل أبي أوفى أي ترحم وبرك ، وقيل فيه : إن هذا خاص له ، ولكنه هو آثر به غيره ؛ وأما سواه فلا يجوز له أن يخص به أحدا . وفي الحديث : من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة عشرا أي : دعت له وبركت . وفي الحديث : الصائم إذا أكل عنده الطعام صلت عليه الملائكة . وصلوات اليهود : كنائسهم . وفي التنزيل : لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد قال ابن عباس : هي كنائس اليهود أي مواضع الصلوات ، وأصلها بالعبرانية صلوتا ، وقرئت وصلوت ومساجد ، قال : وقيل إنها مواضع صلوات الصابئين ، وقيل : معناه لهدمت مواضع الصلوات فأقيمت الصلوات مقامها ، كما قال تعالى : وأشربوا في قلوبهم العجل أي : حب العجل ، وقال بعضهم : تهديم الصلوات تعطيلها ، وقيل : الصلاة بيت لأهل الكتاب يصلون فيه . وقال ابن الأنباري : عليهم صلوات أي رحمات ، قال : ونسق الرحمة على الصلوات لاختلاف اللفظين . وقوله تعالى : وصلوات الرسول أي ودعواته . والصلا : وسط الظهر من الإنسان ، ومن كل ذي أربع ، وقيل : هو ما انحدر من الوركين ، وقيل : هي الفرجة بين الجاعرة والذنب ، وقيل : هو ما عن يمين الذنب وشماله ، والجمع صلوات وأصلاء الأولى مما جمع من المذكر بالألف والتاء . والمصلي من الخيل : الذي يجيء بعد السابق ؛ لأن رأسه يلي صلا المتقدم ، وهو تالي السابق ، وقال اللحياني : إنما سمي مصليا لأنه يجيء ورأسه على صلا السابق ، وهو مأخوذ من الصلوين لا محالة ، وهما مكتنفا ذنب الفرس ، فكأنه يأتي ورأسه مع ذلك المكان . يقال : صلى الفرس إذا جاء مصليا . وصلوت الظهر : ضربت صلاه أو أصبته بشيء سهم أو غيره ؛ عن اللحياني ، قال : وهي هذلية . ويقال : أصلت الناقة ، فهي مصلية إذا وقع ولدها في صلاها وقرب نتاجها . وفي حديث علي أنه [ ص: 277 ] قال : سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر ، وثلث عمر وخبطتنا فتنة ، فما شاء الله ؛ قال أبو عبيد : وأصل هذا في الخيل ، فالسابق الأول ، والمصلي الثاني ، قيل له مصل ؛ لأنه يكون عند صلا الأول ، وصلاه جانبا ذنبه عن يمينه وشماله ثم يتلوه الثالث ؛ قال أبو عبيد : ولم أسمع في سوابق الخيل ممن يوثق بعلمه اسما لشيء منها إلا الثاني والسكيت ، وما سوى ذلك ، إنما يقال الثالث والرابع ، وكذلك إلى التاسع . قال أبو العباس : المصلي في كلام العرب السابق المتقدم ، قال : وهو مشبه بالمصلي من الخيل ، وهو السابق الثاني ، قال : ويقال للسابق الأول من الخيل المجلي ، وللثاني المصلي وللثالث المسلي ، وللرابع التالي ، وللخامس المرتاح ، وللسادس العطف ، وللسابع الحظي ، وللثامن المؤمل ، وللتاسع اللطيم ، وللعاشر السكيت ، وهو آخر السبق جاء به في تفسير قولهم رجل مصل . وصلاءة : اسم . وصلاءة بن عمرو النميري : أحد القلعين ؛ قال ابن بري : القلعان لقبان لرجلين من بني نمير ، وهما صلاءة وشريح ابنا عمرو بن خويلفة بن عبد الله بن الحرث بن نمير . وصلى اللحم وغيره يصليه صليا : شواه وصليته صليا مثال رميته رميا ، وأنا أصليه صليا إذا فعلت ذلك ، وأنت تريد أن تشويه ، فإذا أردت أنك تلقيه فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت أصليته بالألف إصلاء ، وكذلك صليته أصليه تصلية . التهذيب : صليت اللحم بالتخفيف على وجه الصلاح ؛ معناه شويته ، فأما أصليته وصليته فعلى وجه الفساد والإحراق ؛ ومنه قوله تعالى : فسوف نصليه نارا وقوله : ويصلى سعيرا . والصلاء بالمد والكسر : الشواء ؛ لأنه يصلى بالنار . وفي حديث عمر : لو شئت لدعوت بصلاء هو بالكسر والمد الشواء . وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بشاة مصلية ؛ قال الكسائي : المصلية المشوية فأما إذا أحرقته وأبقيته في النار قلت صليته بالتشديد وأصليته . وصلى اللحم في النار وأصلاه وصلاه : ألقاه للإحراق ، قال :


                                                          ألا يا اسلمي ياهند هند بني بدر     تحية من صلى فؤادك بالجمر

                                                          .

                                                          أراد أنه قتل قومها فأحرق فؤادها بالحزن عليهم . وصلي بالنار وصليها صليا وصليا وصليا وصلى وصلاء واصطلى بها وتصلاها : قاسى حرها ، وكذلك الأمر الشديد ، قال أبو زبيد :


                                                          فقد تصليت حر حربهم     كما تصلى المقرور من قرس

                                                          .

                                                          وفلان لا يصطلى بناره : إذا كان شجاعا لا يطاق . وفي حديث السقيفة : أنا الذي لا يصطلى بناره . الاصطلاء افتعال من صلا النار والتسخن بها أي أنا الذي لا يتعرض لحربي . وأصلاه النار : أدخله إياها وأثواه فيها وصلاه النار ، وفي النار وعلى النار صليا وصليا وصليا ، وصلي فلان النار تصلية . وفي التنزيل العزيز : ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا . ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قرأ : ويصلى سعيرا ، وكان الكسائي يقرأ به ، وهذا ليس من الشي ، إنما هو من إلقائك إياه فيها ، وقال ابن مقبل :


                                                          يخيل فيها ذو وسوم كأنما     يطلى بجص أو يصلى فيضيح

                                                          ومن خفف فهو من قولهم : صلي فلان بالنار يصلى صليا احترق . قال الله تعالى : هم أولى بها صليا وقال العجاج : قال ابن بري وصوابه الزفيان :


                                                          تالله لولا النار أن نصلاها


                                                          أو يدعو الناس علينا الله


                                                          لما سمعنا لأمير قاها

                                                          وصليت النار أي قاسيت حرها . اصلوها أي قاسوا حرها ، وهي الصلا والصلاء مثل الأيا والإياء للضياء إذا كسرت مددت ، وإذا فتحت قصرت ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          وقاتل كلب الحي عن نار أهله     ليربض فيها والصلا متكنف

                                                          ويقال : صليت الرجل نارا إذا أدخلته النار وجعلته يصلاها ، فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت أصليته بالألف وصليته تصلية . والصلاء والصلا : اسم للوقود تقول : صلا النار ، وقيل : هما النار . وصلى يده بالنار : سخنها ، قال :


                                                          أتانا فلم نفرح بطلعة وجهه     طروقا وصلى كف أشعث ساغب

                                                          واصطلى بها استدفأ . وفي التنزيل : لعلكم تصطلون قال الزجاج : جاء في التفسير أنهم كانوا في شتاء فلذلك احتاج إلى الاصطلاء . وصلى العصا على النار وتصلاها : لوحها وأدارها على النار ليقومها ويلينها . وفي الحديث : أطيب مضغة صيحانية مصلية قد صليت في الشمس وشمست ، ويروى بالباء ، وهو مذكور في موضعه . وفي حديث حذيفة : فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار أي يدفئه . وقدح مصلى : مضبوح ؛ قال قيس بن زهير :


                                                          فلا تعجل بأمرك واستدمه     فما صلى عصاه كمستديم

                                                          والمصلاة : شرك ينصب للصيد . وفي حديث أهل الشام : إن للشيطان مصالي وفخوخا ، والمصالي شبيهة بالشرك تنصب للطير وغيرها ، قال ذلك أبو عبيد يعني ما يصيد به الناس من الآفات التي يستفزهم بها من زينة الدنيا وشهواتها ، واحدتها مصلاة . ويقال : صلي بالأمر وقد صليت به أصلى به إذا قاسيت حره وشدته وتعبه ؛ قال الطهوي :


                                                          ولا تبلى بسالتهم وإن هم     صلوا بالحرب حينا بعد حين

                                                          وصليت لفلان بالتخفيف مثال رميت : وذلك إذا عملت له في أمر تريد أن تمحل به وتوقعه في هلكة ، والأصل في هذا من المصالي ، وهي الأشراك تنصب للطير وغيرها . وصليته وصليت له : محلت به وأوقعته في هلكة من ذلك . والصلابة والصلاءة : مدق الطيب ، قال سيبويه : إنما همزت ولم يك حرف العلة فيها طرفا لأنهم جاءوا بالواحد على قولهم في الجمع صلاء مهموزة ، كما قالوا مسنية [ ص: 278 ] ومرضية حين جاءت على مسني ومرضي ، وأما من قال صلاية ، فإنه لم يجئ بالواحد على صلاء . أبو عمرو : الصلاية كل حجر عريض يدق عليه عطر أو هبيد . الفراء : تجمع الصلاءة صليا وصليا والسماء سميا وسميا ؛ وأنشد :


                                                          أشعث مما ناطح الصليا

                                                          يعني الوتد . ويجمع خثي البقر على خثي وخثي والصلاية : الفهر ، قال أمية يصف السماء :


                                                          سراة صلاية خلقاء صيغت     تزل الشمس ليس لها رئاب

                                                          قال : وإن ما قال امرؤ القيس :


                                                          مداك عروس أو صلاية حنظل

                                                          فأضافه إليه ؛ لأنه يفلق به إذا يبس . ابن شميل : الصلاية سريحة خشنة غليظة من القف والصلا ما عن يمين الذنب وشماله ، وهما صلوان . وأصلت الفرس إذا استرخى صلواها ، وذلك إذا قرب نتاجها . وصليت الظهر : ضربت صلاه أو أصبته نادر ، وإنما حكمه صلواته ، كما تقول هذيل . الليث : الصليان نبت ، قال بعضهم : هو على تقدير فعلان ، وقال بعضهم : فعليان ، فمن قال فعليان قال هذه أرض مصلاة ، وهو نبت له سنمة عظيمة كأنها رأس القضبة إذا خرجت أذنابها تجذبها الإبل والعرب تسميه خبزة الإبل ، وقال غيره : من أمثال العرب في اليمين إذا أقدم عليها الرجل ليقتطع بها مال الرجل : جذها جذ العير الصليانة ، وذلك أن لها جعثنة في الأرض فإذ كدمها العير اقتلعها بجعثتها . وفي حديث كعب : إن الله بارك لدواب المجاهدين في صليان أرض الروم كما بارك لها في شعير سورية ؛ معناه أي يقوم لخيلهم مقام الشعير وسورية هي بالشام .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية