الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ما له من دافع لأنه لا شريك لموقعه لما دلت عليه هذه الأقسام من كمال قدرته وجلال حكمته وضبط أعمال العباد للمجازاة سواء قلنا: إن الكتاب هو الذي يكتبه الحفظة أو الذي يضبط الدين، فلما أوقع الجزاء بهم في الصحيفة، ونقض معاقدتهم، وفض جمعهم، أخرج معاشرك من ذلك الضيق فكذلك يؤيدك حتى توقع بهم وتنقض جمعهم وتكسر شوكتهم وتقتل سرواتهم ويظهر دينك على دينهم، ويصير من بقي منهم من حزبك وأنصار دينك، قال البغوي: قال جبير بن مطعم رضي الله عنه: قدمت المدينة لأكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر، فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ والطور - إلى قوله - إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع فكأنما صدع قلبي حين سمعته، ولم أكن أسلمت يومئذ، فأسلمت خوفا من نزول العذاب ما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب. [ ص: 8 ] وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما توعد تعالى كفار قريش ومن كان على طريقتهم من سائر من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سيصيبهم ما أصاب غيرهم من مكذبي الأمم، المنبه على ذكرهم في السورة قبل، ثم أشار سبحانه إلى عظيم ما ينالهم من الخزي وأليم العذاب بقوله: فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون أقسم سبحانه على صحة ذلك ووقوعه - والعياذ به سبحانه من سخطه وأليم عذابه - فقال تعالى: والطور - إلى قوله - إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ثم أومأ سبحانه إلى مستحقيه ومستوجبيه فقال فويل يومئذ للمكذبين ثم ذكر ما يعنفون به ويوبخون على ما سلف منهم من نسبته عليه الصلاة والسلام إلى السحر فقال تعالى : ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ثم أعقب بذكر حال المؤمنين المستجيبين، ثم ذكر إثر إعلامه بحال الفريقين - نعمته على نبيه عليه الصلاة والسلام وعصمته ووقايته مما يقول المفترون فقال تعالى: فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون ثم جرت الآي على توبيخهم في مقالتهم ووهن انتقالاتهم، فمرة يقولون: كاهن، ومرة يقولون: مجنون، ومرة يقولون: شاعر يترقب موته. فوبخهم على ذلك كله وبين كذبهم وأرغمهم وأسقط ما بأيديهم بقوله فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين [ ص: 9 ] وهذا هو المسقط لما تقولوه أولا وآخرا، وهذا الذي لم يجدوا عنه جوابا، ورضوا بالسيف والجلاء، لم يتعرضوا لتعاطي معارضته، وهذا هو الوارد في قوله تعالى في صدر سورة البقرة: وإن كنتم في ريب مما نـزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله الآيات، فما نطقوا في جوابه ببنت شفة قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله فتبارك من جعله آية باهرة وحجة قاهرة - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية