الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 195 ] ولما أمر بدفع أموال اليتامى؛ والنساء إليهم؛ ونهى عن أكل شيء منها؛ تزهيدا في المال؛ واستهانة به؛ وكان في النساء والمحاجير من الأيتام؛ وغيرهم سفهاء؛ وأمر بالاقتصاد في المعيشة؛ حذرا من الظلم؛ والحاجة؛ نهى عن التبذير؛ وقد حث - سبحانه - على حسن رعاية المال؛ في غير آية من كتابه؛ لأنه "نعم المال الصالح للرجل الصالح"؛ رواه أحمد وابن منيع عن عمرو بن العاص؛ رفعه; لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل ما يهمه من الدنيا؛ وما لم يتمكن من تحصيل ما يهمه من الدنيا لا يمكنه أمر الآخرة؛ ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة ما يكفيه من المال؛ لأنه لا يتمكن في هذه الدار؛ التي مبناها على الأسباب؛ من جلب المنافع؛ ودفع المضار؛ إلا به؛ فمن أراده لهذا الغرض كان من أعظم الأسباب المعينة له على اكتساب سعادة الآخرين؛ ومن أراده لنفسه كان من أعظم المعوقات عن سعادة الآخرة؛ فقال (تعالى): ولا تؤتوا ؛ أيها الأزواج؛ والأولياء؛ السفهاء ؛ أي: من محاجيركم؛ ونسائكم؛ وغيرهم؛ أموالكم ؛ أي: الأموال التي خلقها الله لعباده؛ سواء كانت مختصة بكم؛ أو بهم؛ ولكم بها علقة بولاية؛ أو غيرها؛ فإنه يجب عليكم حفظها؛ التي جعل الله ؛ أي: الذي له [ ص: 196 ] الإحاطة بالعلم الشامل؛ والقدرة التامة؛ لكم قياما ؛ أي: ملاكا؛ وعمادا؛ تقوم بها أحوالكم؛ فيكون ذلك سببا لضياعها؛ فضياعها سبب لضياعكم؛ فهو من تسمية السبب باسم المسبب للمبالغة في سببيته؛ وارزقوهم ؛ متجرين؛ فيها ؛ وعبر بالظرف؛ إشارة إلى الاقتصاد؛ واستثمار الأموال؛ حتى لا تزال موضعا للفضل؛ حتى تكون النفقة والكسوة من الربح؛ لا من رأس المال؛ واكسوهم ؛ أي: فإن ذلك ليس من المنهي عنه؛ بل هو من معالي الأخلاق؛ ومحاسن الأعمال؛ وقولوا لهم ؛ أي: مع ذلك؛ قولا معروفا ؛ أي: في الشرع؛ والعقل؛ كالعدة الحسنة؛ ونحوها؛ وكل ما سكنت إليه النفس؛ وأحبته؛ من قول؛ أو عمل؛ وليس مخالفا للشرع؛ فهو معروف؛ فإن ذلك ربما كان أنفع في كثير من الإعطاء؛ وأقطع للشر; والحجر على السفيه مندرج في هذه الآية؛ لأن ترك الحجر عليه من الإيتاء المنهي عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية