الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما في سبب نزولها قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما ، أن رجلا من غطفان ، يقال له: مرثد بن زيد ، ولي مال ابن أخيه ، فأكله ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل بن حيان .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن حنظلة بن الشمردل ولي يتيما ، فأكل ماله ، فنزلت هذه الآية ، ذكره بعض المفسرين . وإنما خص الأكل بالذكر ، لأنه معظم المقصود ، وقيل: عبر به عن الأخذ .

                                                                                                                                                                                                                                      قال سعيد بن جبير: ومعنى الظلم: أن يأخذه بغير حق . وأما ذكر "البطون" فللتوكيد ، كما تقول: نظرت بعيني ، وسمعت بأذني . وفي المراد بأكلهم النار قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنهم سيأكلون يوم القيامة نارا ، فسمي الأكل بما يؤول إليه أمرهم ، كقوله: أعصر خمرا [يوسف: 36] قال السدي: يبعث آكل مال اليتيم ظلما ، ولهب [ ص: 24 ] النار يخرج من فيه ، ومن مسامعه ، وأذنيه ، وأنفه ، وعينيه ، يعرفه من رآه يأكل مال اليتيم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه مثل . معناه: يأكلون ما يصيرون به إلى النار ، كقوله: ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه [آل عمران: 143] أي: رأيتم أسبابه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وسيصلون سعيرا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، "وسيصلون" بفتح الياء ، وقرأ الحسن ، وابن عامر ، بضم الياء ، ووافقهما ابن مقسم ، إلا أنه شدد . والمعنى: سيحرقون بالنار ، ويشوون . والسعير: النار المستعرة ، واستعار النار: توقدها .

                                                                                                                                                                                                                                      فصل

                                                                                                                                                                                                                                      وقد توهم قوم لا علم لهم بالتفسير وفقهه ، أن هذه الآية منسوخة ، لأنهم سمعوا أنها لما نزلت ، تحرج القوم عن مخالطة اليتامى ، فنزل قوله: وإن تخالطوهم فإخوانكم [البقرة: 220] وهذا غلط ، وإنما ارتفع عنهم الحرج بشرط قصد الإصلاح ، لا على إباحة الظلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية