الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ )

                                                                                                                                                                                                                                            الصفة الأولى : قوله تعالى : ( إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ألقوا ) طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به فيها ، ومثله قوله : ( حصب جهنم ) ( الأنبياء : 98 ) وفي قوله : ( سمعوا لها شهيقا ) وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : قال مقاتل : سمعوا لجهنم شهيقا ، ولعل المراد تشبيه صوت لهب النار بالشهيق ، قال الزجاج : سمع الكفار للنار شهيقا ، وهو أقبح الأصوات ، وهو كصوت الحمار ، وقال المبرد : هو والله أعلم تنفس كتنفس المتغيظ .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قال عطاء : سمعوا لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها شهيقا .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : سمعوا من أنفسهم شهيقا ، كقوله تعالى : ( لهم فيها زفير وشهيق ) ( هود : 106 ) والقول هو الأول .

                                                                                                                                                                                                                                            الصفة الثانية : قوله : ( وهي تفور ) قال الليث : كل شيء جاش فقد فار ، وهو فور القدر والدخان والغضب والماء من العين ، قال ابن عباس : تغلي بهم كغلي المرجل ، وقال مجاهد : تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل ، ويجوز أن يكون هذا من فور الغضب ، قال المبرد : يقال : تركت فلانا يفور غضبا ، ويتأكد هذا القول بالآية الآتية .

                                                                                                                                                                                                                                            الصفة الثالثة : قوله : ( تكاد تميز من الغيظ ) يقال : فلان يتميز غيظا ، ويتعصف غيظا ، وغضب فطارت منه شعلة في الأرض وشعلة في السماء إذا وصفوه بالإفراط فيه .

                                                                                                                                                                                                                                            وأقول : لعل السبب في هذا المجاز أن الغضب حالة تحصل عند غليان دم القلب ، والدم عند الغليان يصير أعظم حجما ومقدارا ، فتتمدد تلك الأوعية عند ازدياد مقادير الرطوبات في البدن ، فكلما كان الغضب أشد كان الغليان أشد ، فكان الازدياد أكثر ، وكان تمدد الأوعية وانشقاقها وتميزها أكثر ، فجعل ذكر هذه الملازمة كناية عن شدة الغضب ، فإن قيل : النار ليست من الأحياء ، فكيف يمكن وصفها بالغيظ ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : الجواب من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن البنية عندنا ليست شرطا للحياة فلعل الله يخلق فيها وهي نار حياة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنه شبه صوت لهبها وسرعة تبادرها بصوت الغضبان وحركته .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : يجوز أن يكون المراد غيظ الزبانية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية